الأربعاء، 31 مايو 2017

مراسلات بورخس لـ ستلا كانتو: أحاول أن أكتب ونادرًا ما أنجح


 تحاول هذه الخطابات أن تكشف عن وجه غير معروف للكاتب الارجنتيني الشهير خورخي لويس بورخس، وهو وجه يختلف عن وجه الكاتب الجاد، إذ يظهر هنا بورخس العاشق. يمكن أن نقول إن الكاتبة الأرجنتينية "ستيلا كانتو"، التي يوجه إليها هذه الخطابات، هي المرأة التي أحبها بورخس بكل قوة وطلب منها الزواج دون تردد، عكس رغبة أمه التي اعترضت، لكن الزواج لم يحدث أبدًا، رغم استمرار علاقتهما لسنوات تلتها قطيعة لسنوات أخرى طويلة، ثم عادا صديقين.
     بالإضافة للكتابة، عملت كانتو مترجمة وناقدة، وتعاونت لسنوات مع مجلة "أنالس" و"سور". ومن أبرز كتبها "السور الرخامي" "الرسمة والصورة" "الآخرون، الأقنعة" وأخيرًا كتابها "بورخس تحت الضوء".
هنا بعض هذه الخطابات التي أرسلها بورخس 



    1)
اليوم، الجمعة، 18                     
عزيزتي ستلا:
 لا أعرف متى ستقرأين هذه السطور، ولا أعرف إن كنتِ هنا أم في أوروجواي. أعتقد أنني سأتخلى هذا العام عن إجازات أخرى كان يجب أن أقضيها في "أدروجيه" (حيث يعملون على تأسيس مدرسة). أنا غارق في العديد من المهام: كتابة مقدمة لـ "روايات نموذجية" ]عمل ثيربانتس[ ومقدمة أخرى لـ "الفردوس المفقود"، ومقدمة ثالثة لكتاب إمرسون، بالإضافة لقصة لكتاب أنطولوجي لي سترسمه إليزابيث وريد، وقراءة لأربعة كتب مرشحة لجائزة الدولة في الفلسفة. وقراءة العديد من الأعمال المسرحية المقدمة في جائزة، وكذلك كتابة العديد من عروض الكتب وأغلفة الكتب والأخبار.
      يا ستلا، لم أشعر أبدًا أني قريب منك هكذا، الآن بت أتخيلك وأفكر كثيرًا فيك، لكن ذلك يحدث وأنا أعطيكِ ظهري أو جانب وجهي. وبعيدًا عن لقاءاتي مع بيوي لا أرى أحدًا. أتمنى لك السعادة.
خورخي

2)
الأحد، الساعة الثالثة
عزيزتي، البعيدة ومن لا أنساها، ستلا:
     لم أجد ورقًا آخر لخطاب في "لاس نوبيس" إلا هذه الورقة المختومة بشعار "Denver"، حيث ولد بوفالو بيل (بحسب ما أطلعني إنريكي أموريم الذي يطلق اسمك أو اسم دورانتي أو افيلانتال من حين لآخر ليختبر رد فعلي). ذهبنا في وابور حتى محطة "كونثيبثيون"، ومن هناك ركبنا قطارًا ومررنا بسهول أرض حمراء بها خيول ونخيل سامق حتى بلغنا "كونكورديا"، ومن "كونكورديا" وصلنا"سالتو" بـ لانش. وبشرود شاهدت عدة بيوت محتها بفظاظة ذكريات عنيفة عن زاوية ابتسامتك، عن نبرة صوتك وأنتِ تقولين Georgie، عن ناصية بـ "لوماس" أو "لا بلاتا"، عن تحذيرات المناضد ببارات "كونستيتوثيون"، عن ساعتي في محفظتي، عن أصابعي تتحسس الورق. أن أفكر أني بعد أسبوع (وربما قبل ذلك) سنلتقي مرة أخرى يبدو لي حدثًا سعيدًا بعنف؛ أن أفكر أني مضطر لأنتظر عدة أيام يبدو لي غير محتمل. هذا الصباح (انظري كم أنا اقتصادي) قرأت، أمام قفص بومة في حديقة، الشطور الأولى من Sudden Light. (قولي لـ أدولفيتو إني عثرت على نسخة من "الجاوتشيون الثلاثة الشرقيون" لـ أنطونيو لوسيش، وهو رجل كما يقولون أقام فنارة ليقوضها في الوقت المناسب ويكتشف الغرقى).
 حبي الغالي: تعرفين أني أحبك بلا قطيعة وأحتاج إليكِ.
Georgie   

3)
عزيزتي ستلا:

     خطاباتك تحرك مشاعري بقوة، وأريد أن أبقى معكِ، أريد أن أعرفك وأنا بجوارك. العالم (بشكل طبوغرافي) يسير على ما يرام: خلال هذا العام سيظهر كتابي "كيبيدو"، أما "الحجر القمري" فربما يصدر، بحسب ما أكدوا لي، في أي يوم من الأسبوع القادم.
أنتظر واقفًا ملاحظاتك.
"ريجنيديف" سيسافر لأوروبا. ما يعني أني سآخذ راحتي أكثر في "لوس أناليس".
متى ستأتين؟
حضن كبير.
Georgie
4)
الخميس، 28
عزيزتي ستلا
سعدت جدًا بخطابك الذي يشبه صوتك. أنا غارق في مهام كثيرة كلها مرتبطة بالأدب: السابع، الدائرة، الباب العاجي (هذا الترتيب قد يبدو شعريًا، لكنه سريعًا ما يتهاوى) والآن تأتي مجلة "لوس آنالس دي بوينوس آيرس" التي سأتولى إدارتها.
التقيت هذا الصباح بـ باتريثيو  في "كونستيتوثيون"، ووعدني بإرسال بعض المقالات. أتمنى أيضًا أن تتعاوني معنا. لابد أن مهمة تأسيس مجلة جيدة أمر محفز، غير أن ذلك لا يخلو من عقبات في مدينة مثل بوينوس آيرس الفقيرة. أنشطتي تفضحني. جدير أن أحكي لك: في الأيام الماضية تكلم شخص، ستخمنينه، عن استحقاقك لتكريم أدبي ومن المجلس المحلي.
أحاول أن أكتب ولا أنجح إلا نادرًا.
وفي إحدى المحطات تحت الأرض أشاهد صورة لـ دوروثي لامور، وفي اللحظة ألتفت للشبه بينكما.
أنا غائب دائمًا، لكني حبيبك.
خورخي لويس بورخس 

5)
عزيزتي ستلا:
    ليلة أمس، بينما كنت أتعشى وأعمل في موضوع بيوي كاسارس تخيلتك طول الوقت. وعندما عدت للبيت كانت رسالتك فوق المنضدة. مقالك حول Twelve against the Gods ممتاز جدًا، رغم أنه غير منصف؛ وسينشر في العدد الخامس لـ ]مجلة[ أنالس، (العدد الرابع صدر بالأمس بمقالين لباتريثيو). كتبت كلمة "طبوغرافي" لأن خارج ما يرتبط بهذا الظرف لست متأكدًا منه. (يومان بلا طعم ورعشات تآمرت عليّ).
أتمنى أن تعودي سريعًا، يا ستلا. بالمناسبة، انبهر بيرو وآيالا بمقالك عن كيسيل. حتى القلم الذي أكتب به عاجز عن التعبير.
أحبك جدًا
Georgie
6)
الأحد، 19
عزيزتي ستلا:
    أنا شديد الامتنان لخطابك. كل ظهيرة، تتطور "المكان هو الآخرون جميعهم"، لكنها لا تصل إلى نهايتها، إذ تتفرع مثل خطوات السلحفاة. (ذات يوم سنتحدث في ذلك، لأنه أحد موضوعين أو ثلاثة يخصونني). سأمتن جدًا لو ساعدتيني بتفصيلة محددة لا يمكن الاستغناء عنها ولم أكتشفها. لقد كتبت 14 صفحة بخط صغير جدًا.
لا أعرف ماذا يحدث لـ بوينوس آيرس. إنها مدينة لا تفعل شيئًا سوى الإشارة إليكِ، بشكل غير متناهٍ. "كورينتس"، "لا بايي"، "سان تيلمو"، مدخل النفق (حيث أتمنى أن أنتظرك ذات ظهيرة، وحيث، وأقولها بخجل،  أتمنى أن أتمنى أن أنتظرك) كلها أماكن تتذكرك بإشارات خاصة. من ناحية أخرى، نشر ساباتو مقالًا كريمًا جدًا ومضيئًا حول قصتك "الموت والبوصلة"، التي شكر لك فيها من قبل. المقال بعنوان "هندسة الرواية". ولست متأكدًا إن كان العنوان مصيبًا.
ماذا تكتبين يا ستلا، وما مشاريعك؟
حبيبك، بفارغ الصبر والحب،

Georgie

الاثنين، 29 مايو 2017

قصة: جيم/ روبيرتو بولانيو




   منذ سنوات طويلة، كان لي صديق يُسمى جيم، لم أر أبدًا أمريكيًا شماليًا، منذ ذلك الحين، أكثر حزنًا منه. رأيت يائسين كثيرين. لكن حزناء، مثل جيم، أبدًا. ذات مرة رحل إلى بيرو، في رحلة كان يجب أن تستمر أكثر من ستة أشهر، لكن بعد فترة قليلة رأيته من جديد. فيما يكمن الشعر يا جيم؟ كان أطفال المكسيك الشحاذون يسألونه. وكان جيم يستمع إليهم وهو ينظر إلى السحب، ثم يتقيأ. في اللغة، في البلاغة، في البحث عن الحقيقة. في عيد الغطاس. في شعورك حين ترى العذراء. اعتدوا عليه في أمريكا الوسطى عدة مرات، وهو ما كان غريبًا بالنسبة لرجل من المارينز ومحارب قديم في فيتنام. كفى مشاجرات، كان يقول جيم. أنا الآن شاعر وأبحث عما هو غريب لأقوله بكلمات شائعة وعادية. هل تعتقد أن ثمة كلمات شائعة وعادية؟ نعم أنا أعتقد، كان يقول جيم. كانت زوجته شاعرة تشيكية تهدده، كل فترة، بالهجر. أطلعني على صورة لها. لم تكن جميلة بتفرد. كان وجهها يعبّر عن معاناة وتحت المعاناة غضب يطل. تخيلتها في شقة سان فرنثيسكو أو في بيت لوس أنجيليس، بنوافذ مغلقة وستائر مفتوحة، جالسة إلى المائدة، تأكل خبزًا وحساء أخضر. وحسبما رأيت، كان جيم يحب النساء السمراوات، نساء التاريخ السريات، كان يقول ذلك دون أن يشرحه بفضفضة. أنا على العكس كنت أحب البيضاوات. ذات مرة رأيته يشاهد الحاوي بشارع D.F. رأيته من ظهره ولم أحيه، لكنه كان جيم بكل وضوح. الشعر الأشعث، القميص الأبيض والوسخ، الظهر الأحدب كأنه لا يزال يحمل حقيبة. الرقبة الحمراء، رقبة تستحضر، بطريقة ما، صورة الإعدام غير القانوني في الحقل، حقل بالأبيض والأسود، بلا إعلانات ولا إضاءات محطات البنزين، حقل كما نتصور أو كما ينبغي أن يكون الحقل: بوادٍ بلا أمل في البقاء، بغرف من الحجارة أو مسيجة مثل تلك التي هربنا منها وتنتظر عودتنا. كان جيم يضع يديه في جيبيه، والحاوي يهز شعلته ويضحك بشكل هيستيري. كان وجهه المسوّد يقول إنه في الخامسة والثلاثين أو ربما الخامسة عشر. كان بلا قميص، وبجرح رأسي من سرته وحتى صدره. ومن حين لآخر كان يملأ فمه بسائل قابل للاشتعال ثم يبصق ثعبانًا طويلًا من النار. كانت الناس تشاهده، مقدرًة فنه وتواصل طريقها، ماعدا جيم الذي استمر على حافة الرصيف، ساكنًا، كأنه ينتظر من الحاوي شيئًا أكثر، كعلامة عاشرة بعد أن فك شفرة التاسعة الصارمة، أو كأنه اكتشف في الوجه القبيح وجه صديق قديم أو وجه أحد قتلاه السابقين. لبرهة طويلة نظرت إليه، وكنت حينها في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة، وكنت أعتقد أنه رجل أبدي. لو كنت أعرف أنه ليس كذلك لأعطيته ظهري ولابتعدت عن هناك. بعد برهة تعبت من النظر لظهر جيم ولتجهمات الحاوي. الحقيقة أنني اقتربت وناديت عليه. بدا أن جيم لم يسمعني، وحين التفت لاحظت أن وجهه مبلل بالعرق. كان يبدو محمومًا ويصعب عليه التعرف عليّ: حياني بايماءة رأس ثم واصل النظر إلى الحاوي. وعندما  اقتربت منه رأيته يبكي. أغلب الظن أنه كان محمومًا كذلك. واكتشفت، بدهشة أقل من الدهشة التي أكتب بها، أن الحاوي كان يعمل من أجله حصريًا، كأن كل المشاهدين الآخرين بناصية D.F لا وجود لهم. كانت الشعلات توشك أحيانًا على الخبو كلما اقتربت على بعد متر منا. قلت له ماذا تريد، أن يحرقوك في الشارع؟ كانت مزحة حمقاء نطقتها بلا تفكير، لكن عرفت فجأة أن هذا بالتحديد ما كان يأمله جيم. مارس الحب، مسحورًا/ مارس الحب، مسحورًا، أعتقد أني أتذكر أنها عبارة في أغنية كانت موضة هذا العام في بعض أماكن السهرات. وكان يبدو أن جيم يمارس الحب مسحورًا. فتنه ساحر المكسيك والآن ينظر مباشرة إلى وجه أشباحه. هيا من هنا، قلت له. سألته أيضًا إن كان مخدرًا، إن كان يشعر بالتعب. قال لا بايماءة من رأسه. كان الحاوي ينظر إلينا. ثم اقترب منا بخدين منتفختين، مثل إيولو إله الريح. عرفت، في جزء من الثانية، أن ما سيقع علينا ليس بالتحديد ريح. هيا، قلت، وفجأة جذبته من حافة الرصيف الخطيرة. تُهنا في الشارع الهابط في طريق الاصلاحية، وبعد برهة افترقنا. جيم لم يفتح فمه طوال الوقت. ولم أره مرة أخرى أبداً. 

السبت، 27 مايو 2017

أدريانا بانيارِس/ قصيدة توازن دوراني


 المادة الصلبة تحقق التوازن الدوراني،
 إذا كانت مجموعة القوى فوق الجسيم صفراً.

   

    اسمح لي أن أحكي ما في البوستال.
   خريف ومطر. ثمة امرأة بلا توازن
   في مركز الصورة. مثل السمكات
   تفقد توازنها حين يقترب الموت.
   خلف المرأة وأعلاها، في مستوى ثانٍ
 على يمين الصورة، ثمة سيقان أربع.
  سيقان أربع بيضاء جدًا، سيقان أربع غليظة
  تقطعها يدان متعانقتان في الوسط.

   تلك الإيماءة تحرر البوستال من أي لمحة درامية.
   ما من أحد ينبغي أن يلتفت إلى زوجين مقصوصين. ولا حتى المصور
   انتبه لهما حين التقط الصورة، لكن الوقت تأخر. فها نحن نشاهدها.

   تلك الإيماءة تحتوي السيقان الأربع من أعلى وتمنح
   توازنًا لتجوال الزوجين، لكنها تربك كل ما يحيط بها.
   المرأة اللا متزنة لا تغدو بطلة الصورة.
   المطر لا يعود مرئيًا. المرأة اللا متزنة
   تعوج فمها وترنو بجانب عينيها. تلاحظ مطرًا
   قد توقف عن النزول.

   الزوجان، مع ذلك، لا يبديان النية للحركة.
   المرأة اللا متزنة تتعثر وتشرع في الدوران
   حول مركزها. انظر بدقة. خذ البوستال بين يديك.
   ستلحظ أنك لا تراها كاملًة، ستلحظ أنها مطوية.
   نتأمل البوستال على اتساعه، بأعلاه زوجان،
   وسماء، وموسيقى حادة وبطيئة يرن صداها برتابة
   فيما تمطر ثلجًا.

   الزوجان يغدوان مكسوَّين بالبياض
   والمرأة اللا متزنة تواصل الدوران في
   دائرة تبدو أبدية.
   نهاية الشارع سد من غمامة بيضاء جدًا
   حتى تغدو الصورة محروقة. هذه العبارة تضحكنا، طبعًا،
   إذ بينما نتأمل البوستال، يكسو الثلج كل شيء بالبرد.
   تحت ساقيّ المرأة اللا متزنة، ثمة دائرة كاملة
   نجت من الثلج.

   هذا ما جئت لأمنحه لك:
   مأوى يقيك البرد في مقابل نقطة مستقرة.
______________________

الجمعة، 26 مايو 2017

والتر غريب.. فلسطيني تشيليّ على بساط سحري


     من أصول فلسطينية، ولد والتر غريب في 16 مارس 1933 بقرية ريكينوا التشيلية (على بعد 120 كم جنوب سانتياجو دي تشيلي)، ومنذ ذلك الحين تغذت ذاكرته بحكايات أجداده الشفهية المدهشة، كما تغذت بحكايات ألف ليلة وليلة. أجداد أربعة، من أم وأب، هاجروا من فلسطين عام 1910 هربًا من الامبراطورية العثمانية واستشرافًا لحرب قادمة لم تتأخر كثيرًا. جداه من أبيه وصلا إلى الأرجنتين أولًا، ثم ما لبثا أن رحلا إلى تشيلي ليعملا في التجارة بالفواكه في قرى الجنوب، واستقر بهما الحال في "ريكينوا". جدان أميان، غير أنهما تمتعا بثقافة واسعة، ثقافة انتقلت للأبناء والأحفاد.
     درس غريب سنواته الأولى بمدرسة حكومية، ثم انتقل لمدرسة رهبان داخلية قضى بها عامين. وفي عام 44 انتقلت عائلته إلى العاصمة سانتياجو، وهناك عمل في تصنيع النسيج بجانب دراسته في مدرسة إنجليزية درس بها الأدب على يد شعراء مثل روكي استيبان سكاربا وأنخل كوستوديو، ثم التحق بالليسيه الحكومية وتلقى تعليمًا علمانيًا وإنسانويًا فكان مدرسوه كتابًا مثل ألفونسو كالديرون وفرناندو كوادرا وإرنستو ليفاسيك، وشجعوه على الكتابة. بداية من هذه اللحظة سيتواصل مع جماعة مسرحية وأكاديمية أدبية، وسينشر قصصه الأولى هناك.
     يلتحق غريب بالجامعة الكاثوليكية ويدرس الفنون الجميلة عام 1954، ثم يدرس الحقوق بجامعة تشيلي. وفي لحظة متأخرة، يعترف الكاتب الفلسطيني/ التشيلي أنه أخطأ في اختيار دراسته الجامعية، فرغم أنه يحب الرسم وأفادته دراسة القانون، إلا أنه كان يتمنى أن يذهب للأدب مباشرة لمواصلة تقليد أجداده الحكائي، وخاصة أبيه الذي كان رجلًا مثقفًا رغم أنه لم يكمل دراسته في فرع الإنسانيات، وكان تقدميًا في قناعاته ومارس العمل السياسي لفترة وجيزة، وورّث ابنه مكتبة كبيرة ضمت آداب العالم، باتت بالنسبة للابن منهلًا مستمرًا وثريًا. أما أمه، فكان لها أثر في تكوين ذوق موسيقي ودفعته لممارسة الأنشطة اليدوية الفنية، وشجعته على الرسم وكتابة الشعر، رغم أنه انحاز في النهاية للكتابة النثرية.
     في عام 1963 نشر غريب مجموعته القصصية الأولى "الحبل الصلب"، وبداية من 65 يبدأ في كتابة الروايات ليفوز عام 72 بجائزة نيكوميديس جوثمان التي يمنحها اتحاد الكتاب التشيلي، لينشر بعد ذلك في المكسيك وإسبانيا بالإضافة لتشيلي، كما يفرغ وقتًا لكتابة مقالات للصحف، ثم يشغل منصب رئيس اتحاد الكتاب لثلاث دورات متتالية.
     نشر غريب 15 كتابًا ما بين القصة والرواية، لعل أهمها "مسافر البساط السحري" التي يستلهم فيها رحلة أجداده من فلسطين إلى تشيلي، كما يستلهم حكاية البساط السحري الملتصقة بالتراث العربي. كذلك "اليوم غد الأمس" "الليلة السابقة" "جنازة تحت المطر" "قابيل الآخر" "رجل الوجه المستعار" "ليالي المحاكمة الأخيرة" و"الصياد والعملاق".
نقدم له هنا عددًا من القصص القصيرة جدًا.

قصص قصيرة جدًا



1- وجوه
طلب الممثل، بضيق، وجهًا مستعارًا من المتفرجين، إذ كان ممنوعًا من الخروج للشارع، فوجهه ذاته كان ينتمي للعمل لا إليه.

2- رجل استثنائي
فيرمين كان رجلًا كاملًا، ثمة أسباب كثيرة لوصفه بذلك. كان يلبس على الموضة، كان يتحدث بطريقة الأكاديميين، لم يكن يتعارك مع أحد، وكان يقرأ كتبًا في التنمية البشرية ويسدي نصائحه. ورغم مطاردة الكثير من النساء له، إلا أنه كان يحب امرأة واحدة، لأنه كان متدينًا وفي تدينه لا أحد يشك، وكان يتبرع لصيانة الكنيسة، ويسلّم العشر المعتاد.
كان كريمًا دون مبالغة، وكان جيبه عريضًا. ولسبب ما، كان المتسولون يمارسون رغباتهم كلما التقوا به. لم يكن يحب أن يخيب ظن أحد، وكان يصنف النميمة على أنها أحد أسوأ العادات البشرية.
كان ممدوحًا لرصانته دون أي تحفظات، حتى أن اسمه بات مرادفًا للكمال. وكتب عنه كتبًا تمجد في صفات عظمته، بل هناك من رشحه لمنصب سيناتور الجمهورية، لكنه رفض هذا العرض.
وذات مرة اتهمه أحدهم بأنه غير جاد. حينئذ، من هول الصدمة، تفتت وتساقط على الأرض متمزقًا، مثل إناء من البورسلين.  

3- رغبة أخيرة
من أجل الانتحار حين يصل لشيخوخته، اشترى الرسام ذو الاتجاه الساذج، والذي تباع أعماله بأوقية الذهب، مسدسًا احتفظ به في دولاب بيته. وهناك قبع السلاح لسنوات طوال في انتظار اليوم والساعة المحددة ليؤدي مهمته المنتظرة.
وكما يحدث في حياة كل إنسان، جاءته الشيخوخة. "لقد حان وقت الانتحار"، قال لنفسه وتأمل يديه الذابلتين المرتجفتين اللتين ما عادتا تسمحان له بالرسم. فتح الدولاب وسحب المسدس. غير أن ملمس المعدن البارد، بدلًا من بث الشجاعة فيه، بث فيه الجبن. في النهاية وضع الفوهة على صدغه، عد حتى ثلاثة وضغط على الزناد. لكن الطلقة لم تخرج. لابد أن المسدس قد شاخ أيضًا مثله.

4- حكاية بالأسود
خلال الليل، وسائرًا هيكتارات كثيرة، تجسس المخبر السري على رجل يرتدي الأسود. كان يرغب في أن يعرف إلى أين يتوجه. وكلما أسرع الرجل ذو الأسود، فعل المخبر نفس الشيء، وكلما تباطأ قلّده المخبر. المطاردة استغرقت ساعات في أزقة معتمة ومعقّدة، كان الهروب فيها شديد السهولة.
ثم اختفى الرجل ذو الأسود عند إحدى النواصي، وبإلحاح بحث عنه المخبر. نظر للأمام، للجانبين، للوراء، وفي النهاية نظر للسماء، فربما يكون قد تحول إلى غراب وطار.

5-  جمال بلا مثيل
     لم تعرف تلك المدينة، منذ نشأتها، امرأة أكثر منها جمالًا. حين كانت تتنزه بالحديقة، كان المارة يتوقفون عن السير إعجابًا بها. وإن ذهبت للقداس، كان الكاهن يبذل جهدًا خرافيًا حتى لا يشرد منه المصلون ويتابعونها بعيونهم. وإذا راحت لحفلة، التف حولها الجميع ليتحدثوا معها أو يراقصوها.
وأمام هذه الإثارة الشعبية، أصدر العمدة أمرًا بإقامة تمثال لها لتزيين ميدان المدينة الرئيسي. وبداية من هذا اليوم، لم يرغب أحد في معرفة شيء عن المرأة الجميلة.

6-  هراء
كان يدخل من باب الخروج، وكان يخرج من باب الدخول، ولم يُعرف أبدًا سبب هذا الخطأ.

7- حيرة
الفيلسوف، عند خروجه من باب الدخول، وبعد أن كان قد دخل من باب الخروج، تساءل إن كان في المكان الصحيح.

8- جامع الورق
منذ طفولته، شعر بانجذاب شديد لورق الشجرات المختلفة، انجذاب تحول مع مرور السنين إلى شغف، ما دفعه لوضعها بين أوراق الكتب.
وفي نهاية حياته، الممتلئة بأوراق في أوراق، لم يستطع التمييز بين ورق الشجرات وورق الكتب.  

9- نموذج
حتى يبرهن على احترامه للتنوع، كان القط يعيش مع العصافير. وذات يوم، قررت العصافير، في المقابل، أن تعلمه الطيران.
ستبدو حكاية لا تصدق، لكنها حكاية واقعية. فلو لم تكن الحكاية واقعية، ما رواها أحد.

10-         تحذير
منذ زمن، كان يختفي كل من يغامر بالدخول في الحارة الوحيدة التي لا مخرج لها. وحتى يكون التحذير شاملًا، قرر العمدة وضع لافتة:"هذه حارة للخروج فقط".

11-        حلم خليع
كل ليلة، يحلم بيليساريو أنه يقتل حبيبته أليخاندرينا. وبمجرد أن يصحو، يجدها بجانبه نائمة، فتجتاحه طمأنينة طيبة ويسعد لأنه لم يكن إلا محض كابوس. غير أنه يفكر أنه، إن استمر هذا الوضع الفظيع، لابد سيصيبه الجنون. فتكرار الحلم قد يدفعه لارتكاب فعل لا رصانة فيه.
وذات صباح، حين استيقظ، لم يجد إليخاندرينا بجواره. لكنه وجد البوليس.
        

الخميس، 25 مايو 2017

نظرية "الأفتربوب" وموت المثقف النخبوي/ أحمد عبد اللطيف

     
     
     طرح رولان بارت نظرية "موت المؤلف" كوسيلة يمكن من خلالها قراءة العمل الأدبي بمعزل عن كاتبه، بعيدًا عن كل سياقاته المحتملة. الانتصار للنص، والنص هو العالم، وبالتالي لا أحد يملكه. في إطار آخر، ظهرت نظرية "موت الناقد" التي انتصرت للقاريء بالأساس، وألغت بشكل متعسف دور الناقد وما يمليه من أحكام قيمية ومعيارية لجودة العمل الأدبي، ليكون الحكم في النهاية للقاريء. دور الناقد الوصاياتي سيتراجع لصالح ثقافة القاريء وقدرته على تأويل العمل والتجاوب معه. بتجريد النظريتين من المؤلف والناقد، لم يتبق إلا "نص وقاريء"، هنا تبدت اشكالية جديدة: من هو القاريء؟ وما طبيعة النص؟ المتلقي الذي كان غائبًا طول الوقت اكتسب الآن أهمية كبرى، أهمية ستفرض، حتى دون الاعتراف بذلك، شروطها على المنتج الأدبي (النص)، وهو منتج لا ينفصل عن المنتج السينمائي والموسيقي.انتبه أمبرتو إيكو مبكرًا لصراع بدأ يفرض نفسه بين "الثقافة النخبوية" من ناحية "والثقافة الجماهيرية" من ناحية أخرى، ونشر منذ أكثر من أربعين عامًا دراسة يدحض فيها المغالطات النقدية التي تصنّف الثقافة الجماهيرية باعتبارها "ضد الثقافة"، وأنها "تهدد بأفول الفن الحقيقي". الأن تظهر في إسبانيا نظرية "الأفتر بوب" للكاتب والأكاديمي فرنانديث بورتا، والتي تتضمن، من ضمن ما تتضمن، "موت المثقف"، وتوجه نقدًا حادًا للنقد الأدبي العاجز عن مواكبة الإبداع وانعزاله في مكان لا يمكنه من خلاله إدراك الثقافة الحالية ومفرداتها.      
      
     في عام 2006، ستصدر في إسبانيا رواية لا تكتفي بلفت الانتباه إليها واعتبارها حجر الأساس لتيار سردي جديد هو الأبرز الآن في لغة ثيربانتس، بل إن "نوثيّا دريم" لـ أجوستين فرنانديث مايو ستقلّب التربة الأدبية/الثقافية الإسبانية لتعيد من جديد طرح سؤال الأدب الجماهيري والأدب الرفيع، أو ثقافة الجماهير والثقافة النخبوية. سيكون نتاجًا لهذه الرواية عشرات المقالات النقدية، وظهور تسمية "جيل نوثيّا" و"الضوء الجديد" و"الرواية الأفتر بوب". بالإضافة لذلك، ظهور كتابين نقديين أحدهما، كنتاج مباشر لها، ينظّر لكتابة متجاوزة لما قبلها حد العداء "الضوء الجديد.. فرادة السرد الإسباني الحالي" للناقد والأكاديمي بيثنتي لويس مورا (أحد المنتمين لهذا التيار السردي) وثانيهما، واكب ظهور الرواية وكان تأصيلًا لأفكارها، يضع نظرية جديدة هي في حقيقتها امتداد لتنظيرات مدرسة فرانكفورت وفالتر بنيامين، بعنوان "الأفتر بوب.. أدب الانفجار الإعلامي" للكاتب والأكاديمي إلوي فرنانديث بورتا (كاتب آخر من نفس التيار).

     التوليفة، غير المسبوقة، التي صنعها فرنانديث مايو، ما بين الأسئلة الفلسفية من ناحية، واللغة الشعرية وتكنيك الكولاج من ناحية أخرى(أدب رفيع)، في مقابل أحداث تدور في بيوت دعارة ومحطة بنزين وعالم تحتي يتكوّن على هامش العالم الأنيق (أدب بوب)، بالإضافة للفانتازيا كفكرة أساسية شيدت عليها الأحداث (شجرة من الأحذية يتتبع الراوي كيف تكونت، في رحلة مسلية ومضحكة بقدر ما فيها من فلسفة) واستلهام العالم البورخسي في بعض المواضع، بل والتلميحات إليه داخل السرد، واعتماد تقنية التوثيق أو الاستشهاد بكتابات أخرى في فصول منفردة، كل ذلك جعل النقاد يشيرون إلى العمل كحلقة جديدة في سلسلة الأدب المكتوب بالإسبانية. سلسلة احتاجت أكثر من ستين عامًا لتتجدد، بعد أن بقت الواقعية السحرية كأبرز مرحلة في تاريخ أدب هذه اللغة، ولم يعد من جديد إلا التقليب في أشكال مختلفة للواقعية، ليس بمعناها الجمعي، بل الفرداني (خابيير مارياس) أو التاريخي (أنطونيو جالا). وإن كان خوان خوسيه ميّاس أحد أشد الحلقات التي عبرت الفانتازية/الغرائبية من خلالها إلى الجيل الجديد، غير أننا هنا، مع "الضوء الجديد" نتحدث عن فانتازية أخرى تتكيء على بورخس أكثر مما تتكيء على التراث الإسباني الفانتازي. 

     رواية مايو تبعتها روايات أخرى له "نوثيّا إكسبيريانس" و"نوثيّا لاب" لتجمع بعد ذلك في كتاب واحد بعنوان "مشروع نوثيّا" أو ثلاثيتها.  لكنها في جانب آخر كانت رأس السهم الذي فتح الطريق لأكثر من عشرين روائيًا اتفقت رؤاهم الفنية وتصوراتهم الجمالية مع عمل فرنانديث مايو، فكوّنوا جميعًا، على مدار السنوات الأخيرة ما أطلق عليه تيار "الضوء الجديد"، الذي ضم خورخي كاريون وفرنانديث بورتا وبيثنتي مورا، من بين أسماء أخرى. وفيما انشغلت الكتب والمقالات النقدية بالقيم الجمالية والباراديجمات السردية التي تقترحها "نوثيّا"، انشغل فرنانديث بورتا في "الأفتر بوب" بسؤال، في حقيقته، يتماس مع مقترح الرواية، غير أنه لا ينتهي عندها: ما الحدود الفعلية بين الأدب الجماهيري والأدب الرفيع؟ هل لا تزال ثمة حدود بينهما؟ ستتولد من هذا السؤال، أو الافتراضية، أسئلة أخرى وافتراضيات كثيرة، كلها تصب في خلخلة البنى الثقافية المستقرة، خلخلة بالفعل كانت قد اهتزت دون أن يعترف النقاد بذلك. ربما تحتم طرح تصور ثقافي جديد مع نشأة وسائل الإعلام في القرن العشرين، واستشعار مدى تأثيرها على الجمهور، ما استدعى، على مدى القرن، إعادة تعريف قانون الفن وطريقة استهلاكه. ظهور الإنترنت وانتشار المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي، مع حدة تأثير الصورة في أواخر القرن الماضي وأوائل الحالي، فرض كذلك، بطبيعته، تصورًا عن الثقافة، سواء بمعنى ما يجب أن تكون عليه الثقافة أو تحليل لحال الثقافة القائم.   

     الحقيقة أن كتاب بورتا صدر في عام 2007، ولابد أنه عمل فيه ما لا يقل عن ثلاث أو أربع سنوات، إذ رغم حجمه المتوسط (350 صفخة من الحجم المتوسط) إلا أنه شديد التماسك والصعوبة، ويعتمد فيه على عشرات المراجع ليس فقط في الأدب، بل في الموسيقى وحتى في السياسة. إذن، لم يكن كتاب بورتا نتاجًا مقصودًا ولا رد فعل على رواية "نوثيّا دريم"، إذ التفت بورتا، بحسب ظننا، إلى المسافة التي صار الأدب يتجه إليها بعيدًا عن القوالب الثابتة، السابقة والتقليدية، ولاحظ كيف يتشابه الأدب مع الموسيقى، وهي الملاحظة التي لا يتخلى عن البرهنة عليها على طول الكتاب. فبينما يؤرخ للأدب الجديد، يسترجع تاريخ موسيقى النصف الثاني من القرن الفائت. بذلك تمثل موسيقى البيتلز والتكنو أحد متكآت الكتاب. مع ذلك، واكب "الأفتربوب" صدور رواية مايو، التي كانت التجسيد الأدبي الصافي لهذه النظرية، فأُعتُبر فرنانديث بورتا، مؤلف الكتاب، المنظّر الأول لتيار"الضوء الجديد".

     نظرية الأفتربوب


     
     يُعرّف بورتا "الأفتربوب" بأنه "ليس موضة، ولا حركة، ولا جماعة، إنه حالة جمالية... حالة تحمل في طياتها علامات تغيير لمفهوم البوب، الذي منذ أدورنو وحتى ماكلوهان تم التنظير له باعتباره خفيفًا وسهلًا وسطحيًا. لكنه مع الوقت اكتسب صفة الجدية واقترح قراءات متعددة المستويات...". لا يشير بورتا هنا، بالطبع، إلى الأدب التجاري، الذي لم يغادر مكانه المعهود، بل إلى أدب آخر يتوافر على باراديجم جمالي خاص، يستخدم الإنترنت كـ "واقع ممتد"، بتعبير بيثنتي لويس مورا، وليس باعتباره "فضاءً افتراضيًا". إننا إزاء "حالة" تمردت فيها "الأفتر" على البوب، كما تمردت "البوست" على الحداثية. هنا تحديدًا تتبدى ملامح النظرية. فإذا كانت الحداثية مشروعًا قائمًا على الحقيقة المستقرة (أو المطلقة، باعتبار الإنسان مركز الكون)، فما بعد الحداثية تنتصر للحقيقة النسبية، للتشكيك في الثوابت الحداثية. وإذا كانت الأولى تؤسس لخطاب سردي متماسك وبنية تصاعدية، فالثانية تتبنى خطابًا ناقصًا وبنى متشظية كتعبير فني عن رؤية كونية للعالم، بل وتؤكد عداءها للحداثة. لذلك، فـ "الأفتر بوب" سردية "ما بعد حداثية"، كما يتجلى في أعمال فرنانديث مايو. سردية تتكيء على الساركزم من ناحية وتفكيك البنى الراسخة من ناحية أخرى في مواجهة الرسمية، والنقد الثقافي في مواجهة الاستعراض والكيتش. وسردية متفاعلة مع الموسيقى الجديدة، خاصة مع فرقة Twelve 12، هذا عنصر جمالي أصيل، يؤكد أصالته أن كلًا من فرنانديث مايو وفرنانديث بورتا موسيقيان هاويان. من هنا جاء اختيار مصطلح "الأفتر بوب"، الذي يعبر عن التطور الموسيقى أكثر مما يعبّر، في ظاهره، عن النقد الأدبي. إنه مصطلح يعادل في النقد الموسيقى الـ postpop، الذي يعرّف الحالات الإبداعية الجديدة في موسيقى بدايات القرن، تعريف يرى بورتا أنه يقبل نموذجين، أحدهما، في الموسيقى التجارية، تجاوز نموذج المغني البوب الذي فرض نفسه من بداية الثمانينات لمصلحة منتج آخر ليس أقل مبيعًا لكنه أكثر إدراكًا لتاريخ الموسيقى الحديث، فإذا كانت نجمة البوب مغنية/ راقصة بوب، مثل مادونا في النسخة الأولى، فنجم البوست بوب يستخدم مفردات الهيب هوب وأنواع أخرى من الموسيقى الإليكترونية، بل وحتى حركات الـ indie، مثل بريتني سبيرز. وثانيهما في سياق الموسيقى الــ indie، التي تعمل بها بعض الفرق التجريبية، وتستخدم وسائل البوب التقليدية لجمهور غير متخصص وفي محيط ضيق، وأمثلته تبدأ من فرقة YO LA TENGO وحتى MIGALA.

     هذا التطور الذي شهدته الموسيقى يقارنه بورتا بالتطور في الأدب. فسؤال الموسيقى بانتقالها من البوب للتكنو فرضت تحولًا في إعادة تعريف المؤلف الموسيقى والفضاء الاجتماعي والفني المميز وإعادة الاعتبار للجمهور نفسه. من "إعادة التعريف" ينطلق مؤلف الكتاب.



      

     في كتابه، لا ينطلق فرنانديث بورتا من العدم، بل يرتكز على أعمال سابقة لـ أمبرتو إيكو، وخصوصًا لـ فالتر بنيامين، مثل "العمل الفني في عصر إعادة إنتاجه تقنيًا"، إذ يمد الكاتب الإسباني خيط "تغير علاقة الجمهور بالفن عند إعادة إنتاج العمل الفني" ليضع جمهور الأدب في الصورة، وهو الجمهور الغائب، في أغلب الأحيان، عن الأدب النخبوي. بذلك، لا يستعير أدب "الأفتر بوب" ثيمات البوب فحسب، بل يمد جسرًا للتقارب مع الجمهور أيضًا. ما يصنعه بورتا، بكلمات الباحث إيكتور ترانكون، أنه يلملم نثائر البوب ويحلل عمق صورها، بذلك تأتي نظرية "الأفتر بوب" كـ مانيفيستو لـ "الثقافة البوب الرفيعة" المتمخضة بالأساس عن الحاجة لخلق لغة جديدة تعالج الحاضر، ووسيلتها لذلك التشييد على أنقاض البوب. تاليًا، تتخذ نظرية بورتا موقفًا فلسفيًا يرفض الهوس بالماضي، كما في "حمى الأرشيف.. انطباع فرويدي" لـ جاك دريدا، أو  في "تدوير الهوس.. إدمان البوب لماضيه" لـ سيمون رينولدز.
       الأفتربوب، إذن، كنظرية، تقدم مقترحًا جماليًا يضيف الكثير للفن السردي في هذه اللحظة، لكنها في نفس الوقت تتهكم على "الرأسمالية العاطفية" التي، رغم جمود مشاعرها، لا ترفض الحب، بل تستخدمه وتثيره لتحقق من ورائه كل المكاسب الممكنة. إنه انتقاد لـ "مجتمع الأفتر بوب" الواقع تحت سيطرة الاستهلاكية، والذي يظن أنه يملك كل شيء، مع أنه في حقيقة الأمر لا يملك أي شيء. وفي الوقت الذي يقع فيه هذا المجتمع، حتى في ظل مناداة أفراده بالفردانية، تحت سلطة الإعلانات ووسائل الإعلام، يرفع أدب الأفتر بوب شعارًا آخر ضد الحداثة برمتها، ووسائله لذلك كل مباديء ما بعد الحداثية، من شخصيات تائهة أو مهزومة وبنى متشظية. وفوق كل شيء، عوالم سردية غريبة تمثّل اللا واقعية/الفانتازية أحد عناصرها المميزة، مع ربطها بـ "الواقع الممتد" وهو التكنولوجيا الحديثة. ربما من أجل ذلك يصر بورتا على تسميته "حالة" وليس تيارًا أو جماعة. حالة تمرد جمالية بالأساس، لكن دون بترها عن السياق العام. مع ذلك، فالحالة كوّنت تيارًا اختار كُتّابه أن يكونوا أقلية داخل المشهد السردي الإسباني، أو على هامشه، مشهد تُمثّل الواقعية النص المركزي فيه، لكنها ليست الواقعية الملتزمة بسؤال الجماعة بقدر ما هو سؤال الفرد، خاصًة بعد الأزمة الاقتصادية التي تركت بصمتها على المجتمع منذ 2008.
     في تبنيه لثقافة الجماهير ومعالجتها نقديًا، يوجّه بورتا نقده الحاد للمثقفين أصحاب ربطات العنق، المخنوقين داخل زجاجة الماضي والمفتقدين لكل حس جديد، هذا إن لم يعادوه بالفعل. هؤلاء المثقفون الذين ينظرون لهذه الثقافة من بعيد، لتبقي باستمرار على مسافة منهم، وحتى لو تجرأوا وفكروا في الاقتراب من معالجتها، سيبدون مثل غرباء في أرض بعيدة.
    نظرية بورتا، في نهاية المطاف، تعلن موت هذا المثقف النخبوي، لتنتصر لثقافة اليوم بكل ما فيها من تغيرات، إذ انها ثقافة تستجيب للعصر كما استجابت ثقافة الستينات والسبعينات للتليفزيون والسينما، وكما استجابت الموسيقى لمجربي البوب وما بعد البوب


    

الأربعاء، 24 مايو 2017

كورتاثر لأليخاندرا بيثارنيك: لن ترحلي أبدًا



    
في فبراير من كل عام،  تحل ذكرى رحيل خوليو كورتاثر، أحد أكثر الكُتّاب المؤثرين في اللغة الإسبانية وأكثرهم شهرة، لكن صاحب لعبة الحجلة لا يتوقف عن مقاجأة قرائه حتى بعد رحيله بسنوات. صندوق كورتاثر الأدبي لا يزال مليئًا، بالإضافة لقصص وروايات، بأشعار ومراسلات، وإن كان لم يكتب سيرة ذاتية (هي بالفعل موزعة في أعماله السردية) إلا أن مراسلاته تكشف عن وجه آخر للكاتب المشغول بالفن وتكنيكاته، كما ينشغل بأصدقائه المقربين وقراءة أعمالهم، بل وتتضمن الرسائل عروضًا لكتب وانطباعات شخصية شديدة الجمال والعمق عن تأثير كتاب ما عليه.
في الرسالتين اللتين نقدم لهما ترجمة هنا، نكتشف عمق العلاقة بين كورتاثر وأليخاندرا بيثارنيك(1936-1972)، شاعرة الأرجنتين الأبرز في النصف الثاني من القرن الماضي، وواحدة من الشاعرات اللاتي لم يجدن مكانًا لهن في العالم فقررن الانتحار. لن نعثر في سيرة بيثارنيك إلا على نجاحات متوالية منذ ظهرت كشاعرة رحبت بها الأوساط الثقافية في بوينوس آيرس أولًا ثم في باريس، لقد ذاع صيتها منذ ديوانها الأول "الأرض الأبعد" (1955) ومثّلت خطوة جديدة في الشعرية اللاتينية، وتمجيدًا للسوريالية كرؤية للعالم والموت والطفولة كثيمات ثابتة ومتكررة. لكن ألم بيثارنيك كان وجوديًا، لم تستطع رغم كل نجاحاتها أن تؤمن بنفسها ليس فقط كشاعرة، بل أيضًا كإنسانة جديرة بالحياة، وعجزت عن التصدي لسؤال الموت الملّح حتى انتصر عليها وهي ابنة السادسة والثلاثين. لذلك عانت صاحبة "البراءة الأخيرة" من المرض النفسي، وكانت نزيلة شبه دائمة في مستشفيات الأمراض النفسية لمحاولاتها الانتحار المتكرر. محاولات باءت بالفشل لمرات حتى أصابتها نوبة اكتئاب عارمة في سبتمبر 1972 فتناولت خمسين قرصًا من السيكونال، وودعت الحياة في صمت.
نختار هنا رسالتين أرسلهما لها خوليو كورتاثر، تعكس كل واحدة فيهما مدى تقديره لفنها العظيم ولقصيدتها المميزة والمنفردة، كما تعكس مدى قلقه عليها وتحذيره (في الرسالة الثانية) من الإقدام على الانتحار.
 _______

باريس، 14 يوليو 1965
أليخاندرا الغالية

     لا تغضبي مني لهذا الصمت الطويل. الصمت أيضًا يربطنا كما يربط أربع علب حلوى رباط أسود، ويكفي فك الفيونكة لتظهر قطع الميرينج والباتيه والبيتي فور، دون أن أعد لك العرائس الحلوى. وهذه الأشياء كل يوم.
     حبيبتي البعيدة، رحنا الأسبوع الماضي لنتعشى في مونتماشو مع لور وفيليب، وكل العالم تحدث عنك كثيرًا ما اضطرني لسحب كرسي آخر لك. وبفضل جهاز تجسسي عرفت أيضًا أن صاحبات "كلوب دي لاس بيناتاداس" يجتمعن في البارات ليتذكرن صديقتي بشارع مونتدسديوكا. لقد طغت شعبيتك على شرفات الحي اللاتيني. ثمة رسام يوقّع باسم "بيثا"، ورسام آخر يوقّع بـ "أرنيك". هناك كوكتيل يسمونه بـ أليكساندرا، ومنتحل سيء السمعة يدعى إسيودو نشر كتابًا عنوانه "الأعمال والأيام" ]عنوان كتاب لها[. وفي ممر البيت، تحت نبتة الباولونيا، يلعب قط أسود ويقلدك في طريقة فتح العينين على اتساعهما.
كما ترين لن ترحلي أبدًا.
     حينئذ، بينما كنا في ركننا بـ سيجونو (وكل الناس تنطقها سايجون حتى يهينونا ويحتقرونا)، وصل كتابك إلى باريس وعثرنا عليه منذ عشرة أيام حين اضطررنا للعودة للعمل في اليونسكو. قرأته أورورا مرة واحدة، وأنا قرأته ليلة أمس على مهل، مع كونياك وبايب، والآن أكتب لك. بوسعك أن تقدري الجدارة التي تستحقينها بكل هذه الأداءات.
     من الصعب بمكان ألا نكون بلهاء عند كتابة خطاب، حين يكون المرء على طبيعته فحسب. منذ سنوات ويشغلني تحويل الرسائل إلى نوع من عروض كتب لاستخدام المؤلف الخاص. لعل من الأفضل أن ألمّح بكلمات مفردة أو برسومات لما يمنحه لي كتابك. لا أعرف الرسم، لكن الكلمات ستكون هكذا:
صرصور
يبروح
فانوس
حصان وحيد القرن
فراشة
فراغ (ممتليء جدًا، ممتليء جدًا)

     كتابك أثار آلامي، إنه كتابك جدًا، وأنتِ موجودة جدًا في كل سطر من سطوره، واضحة جدًا بتذبذب، من تحت السطور وبداخلها. أتعرفين نظام تصفح كتاب والتخطيط تحت أسطر منه أو فقرات وكتابة تعليق أو مديح أو اعتراض؟ أنا لا أحب هذه الطريقة، غير أني أقولها لك: ما شعرت به هو نفس ما أشعر به أمام بعض اللوحات أو الرسومات السوريالية (قليلة جدًا): أني في لحظة على الجانب الآخر، أني عبرت إليها، أني أنتِ، أني معلق بطرف القماشة كأحد العناكب الحمراء الموجودة في لا بروفنزا وأن لها، أو تبدو، علاقة اتحاد بالظلام. الآن أعرف (وكنت أعرف ذلك من قبل غير أني الآن أعرفه عن شخص حي، شخص قبّلت وجنته ذات مرة) أن كل شيء أو أغلبه يمكن أن يُقال بكلمات قليلة جدًا. كل قصيدة لك  تمثل جوهر عجلة ضخمة. ثمة من يصنعون العجلة كاملة، وينبغي أن نرى كيف تتهاوى في الحفر، وأنتِ تسمحين للعجلة بأن تكون شيئًا آخر، شيئًا يستطيع القليلون أن يرسموه بعيدًا عن الصفحة. وحينئذ يفوز بن هور بعجلاتك الهوائية التي تخلّف وراءها كل العجلات الخشبية والبرونزية. تبدو لي قصائدك نقوشًا صغيرة جدًا، أو الأفضل تشبيهها باسطوانات بابلية، وذات يوم، حين تأتين لتشغلي الكرسي الذي وضعته لك وسأضعه لك للأبد في بيتي وفي كل البيوت بل وحتى في الباصات وموانع الصواعق، حينها سأصطحبك إلى اللوفر لأطلعك على اسطوانة اكتشفتها منذ قليل، في الصالة الإتروسكانية، وليست اسطوانة إتروسكانية على الإطلاق لأسباب كثيرة من بينها أن الإتروسكانيين المتخلفين لم يعرفوا الاسطوانات أبدًا، لكن اللوفر المحافظ أو الراديكالي وضعها في الصالة الاتروسكانية  بسذاجة صافية، أو ربما لم يجدوا لها مكانًا بين الاسطوانات البابلية. سأطلعك عليها وستطيرين من الفرح.
     تلقيت منذ عدة أشهر خطابًا منك ضاع مني بعد ذلك بسبب حدث جلل قد أخفق، وكنتِ تطلبين مني تعاونًا لمجلة متخصصة في الطيور أو الأسماك (كوموران أو دلفين؟ تيا بيثنتي؟). بالطبع ليس لديّ ما أرسله، إذ تضطرني الديون التي يجب سدادها للبنّاء الذي أضاف قطعة في بيتنا بـ سيجونو أن نعمل لشهور، هذا الحرفي الماهر. إن كانوا سيدفعون لي مكافأة لتسديد الديون سأسمح لهم بنشر ما لديكِ، ثمة أخطاء إملائية بسيطة جدًا، لكنه بشكل ما كتابة أدبي...

  منذ زمن لم أقرأ قصيدة شديدة الدقة، وشديدة الرفعة.
     وطباعة الكتاب جميلة جدًا. أذهلني الغلاف، أنتِ من رسمته؟ ليس معتادًا في بوينوس آيرس أن تخرج الكتب بهذا الاهتمام وبورق وحبر عالي الجودة. الأزرق لون شديد الجمال، والصورة الإيروتيكية (أعرف، أعرف، لكني هكذا، وكل واحد يرى ما يستطيع) تبدو لي مبهرة. أتجادل معك قليلًا في العنوان، لم يعجبني. ربما لأن أي إشارة للعمل ترجفني.
     المختارون لقراءة كتابك قليلون، أخشى ذلك. قليلون من سيعيشون في البعد الذي يسمح لهم، كثيرًا أو قليلًا- ظاهريًا- بالعثور على ترابطات فعلية. الحال ليس أني ضد القصيدة الطويلة (قصائد أولجا، مثلًا، قصائد مذهلة، ويجب أن أكتب لها ذلك خلال هذه الأشهر، سأفعل ذلك من سيجون، قولي لها إن رأيتِها إني تأخرت كثيرًا في قراءة كتابها بسبب هذه الأشياء، لكن الآن نعم قرأته، الآن هو كتابي ومنحني كل ما فيه، أظن ذلك، وجعلني سعيدًا جدًا، على طريقتي في السعادة، وعلى طريقتها فيها بالطبع، إذ نتفاهم) أكمل: الحال أني لست ضد القصيدة الطويلة، لكن ثمة معجزة دائمًا في القصيدة القصيرة العظيمة. (في الهايكو أحيانًا، في ناتاليا كران أو تشار أحيانًا، أو في خواروث).
     حفرت أورورا لنفسها طريقًا، وبلسمها وصلني حتى بيتي. ألا يبدو خبر مثير؟ القطة السوداء رأت في التو حمامة عند الباتالونيا فتسلقت النبتة كمجنونة لربما تقبّلها. يجب أن أسلم بأنها لا تشبهك في هذه اللحظة. يمكن أن أراك في أحسن حال وأنتِ تطاردين الحمام لكن المؤكد أنك ستضعين سلمًا على جذع الشجرة أو ستنزلين عليها بباراشوت. الحمامة تعلمت الطيران، كما يقولون الآن بفضل ما دفعتِه.
    لا تغضبي مني (وكيف تستطيعين؟ مستحيل!) واكتبي لي. صمتي، كما تقول بينيتي، عملية كونية تستحيل فيها البيجونيا عسلًا. لكني أفكر الآن أني لم أر نحلة أبدًا على البيجونيا، لابد أنها تكره النحل.
أحبك جدًا
خوليو
-------------

باريس، 9 ديسمبر 1971

     عزيزتي، رسالتك من شهر يوليو وصلتني في سبتمبر، أتمنى أن تكوني قد رجعتِ إلى بيتك أثناء ذلك. لقد تقاسمنا المستشفيات معًا، رغم أن الأسباب مختلفة. أنا دخلت المستشفى لأسباب عادية جدًا، مجرد حادثة سيارة كانت على وشك أن تقع. لكن أنتِ، أنتِ، هل تقصدين حقيقًة ما تكتبينه؟ نعم، بالطبع تقصدينه، مع ذلك لا أقبل بك هكذا، لا أحبك هكذا، أنا أريدك حية، حمارة، وانتبهي للغة التي أحدثك بها، إنها لغة العاطفة والثقة- وكل هذا، بالفعل، يقف في جانب الحياة وليس في جانب الموت. أريد خطابًا آخر منك، وبسرعة، أريد خطابًا. هذا "الآخر" هو أنتِ أيضًا، أعرف ذلك، لكنه ليس كل شيء وبالإضافة لذلك ليس أفضل ما فيكِ. الخروج من هذا الباب ليس إلا محض شيء زائف في حالتك، وأشعر كأنه يخصني أنا نفسي. أنتِ من تملكين سلطان الشعر، تعرفين ذلك، وكل من يقرأ لك يعرفه، غير أننا لا نعيش في زمن كان هذا السلطان يواجه هذه الحياة كبطل مضاد، فالحياة مغتالة للشاعر. والمغتالون، اليوم، باتوا يقتلون شيئًا آخر غير الشعراء، حتى هذه المزية الإمبريالية لم تعد موجودة، يا عزيزتي. أطلب منك: لا تواضع ولا ضعف، بل إقامة تواصل مع هذا الذي يطوّقنا جميعًا، سمِّه نورًا أو ثيسر باييخو أو السينما اليابانية: هذه الدفعة في هذه الأرض، السعيدة أو التعيسة، لكن لا تستسلمي لصمت التخلي الإرادي عن الحياة. فقط لا أقبل بك إلا حية فحسب، فقط أحبك يا أليخاندرا.
اكتبي لي، يا كلبة، واعذريني على نبرتي، لكني أقولها برغبة في إخلاعك لباسك (الوردي أم الأخضر؟) لأضربك على مؤخرتك وكل ضربة تقول لك أحبك.
____