الثلاثاء، 27 يونيو 2017

غياب| خورخي لويس بورخس



غياب
ربما ينبغي أن أرفع الحياة الواسعة
حياة هي الآن مرآتك:
وكل صباح ينبغي أن أعيد بناؤها
منذ رحلتِ،
كم مكان غدا بلا معنى
وبلا فائدة، كما
الأضواء في النهار.
مساءات كانت مشكاة لصورتك،
موسيقى دومًا كنتِ تحفظيني بداخلها،
كلمات عن ذاك الزمن،
الآن صار حتميًا أن أقوّضها بيديّ.
في أي مخبأ أدس روحي
كيلا تلحظ غيابك
غياب كشمس لاهبة، بلا غروب،
تبرق بلا رحمة وبلا حدود؟
غياب يطوّقني
كما الحبل حول الحنجرة،
                                               كبحر نغرق فيه.

الخميس، 22 يونيو 2017

أنتظرك \ ماريو بينيديتي




أنتظرك

أنتظرك حتى يغدو الليل نهارًا،
بتنهيدات آمال ضائعة.
لا أظن أنك ستأتين،
أعرف ذلك، أعرف أنك لن تأتي أبدًا.

أعرف أن المسافات جارحة،
أعرف أن الليالي باردة جدًا،
أعرف أنك لستِ هنا.
أظن أني أعرف كل شيء عنك.
أعرف أن النهار سريعًا ما يغدو ليلًا،
أعرف أنك تحلمين بغرامي،
غير أنك لا تقولين،
أعرف أني أحمق لأني أنتظر،
وأعرف أنك لن تأتي أبدًا.

أنتظرك حين ليلًا ننظر للسماء،
أنتِ هناك،
وأنا هنا،
بحنين لتلك الأيام حيث
خلّفت القبلة طريقًا للوداع،
ربما لبقية حياتنا.
مأساًة أن أتحدث هكذا.
وحين يغدو النهار ليلًا،
وحين يخفي القمرُ الشمسَ الملتهبة،
أشعر بالوحدة، أعرف،
أبدًا لن أعرف في حياتي
مثلما أعرف الآن أني وحيد جدًا،
وأنك لستِ هنا.

لهذا الشعور أعتذر لك،
أبدًا لم تكن نيتي إهانة.
أبدًا لم أحلم بعشقك،
ولا أن أشعر بك هكذا.
هوائي ينتهي مثل ماء في صحراء،
وحياتي تفنى حين لا تهجرين داخلي.
ما من أمل لي إلا أنتِ،
وأنا لست هناك...
ولماذا لست هناك؟
ستسألين...
لماذا لم أركب هذا الباص الذي يوصّلني إليكِ؟
لأن عالمي هنا لا يسمح لي بالحياة هناك،
لأن كل الليالي تعاقبني كلما فكرت فيكِ.
ولماذا لا أنساكِ مرة واحدة؟
لماذا لا أعيش مرة واحدة؟

لماذا مرة واحدة...؟

الأربعاء، 21 يونيو 2017

شعرية\ أدريانا بانيارس



1
للحظة أتوهم مضاجعة رجل. رجل لا يحبني حقيقًة. رجل لا يحبني قليلًا.
رجل لا يحبني نهائيًا.
أدخل الشات وكلهم هو.
 بنفس اسمه، بعمره ذاته وفكاهته ذاتها.
هذه المصادفة تجعلني أفكر أن هؤلاء لا يعنون أنهم هو
بل أنا، فأنا الآن بلا شيء وبلا اسم،
أنا قد أكون أي أحد.
أنا قد أكون أي أحد وهو، رغم أنه كلهم، كلهم ليسوا إلا هو،
هو يتقرب مني، دون أن يعرف أني أنا،
يقول لي لماذا لا تأتين لبيتي
ونسمع بعض الألبومات.
2
وحيدًة أعود اليوم لبيتي. لا أحد رغب في الرقص معي ولا حتى قتل نفسه لأجلي.
نحصد ما نزرعه وأنا
لم أعرف أبدًا الإغواء بالنظر.
اليوم أكتب كمن يعزف على بيانو، لكني نسيت النوتة الموسيقية.
ألمح بردًا خفيفًا بين شفتيّ. بردًا سائلًا كأن ذاتي
داخله جدًا
مجمّدة. وهذا الدم
دمي لأني من أثرته
بلسان ميت عضته الغيرة.
لكن هذه الضربة وهذا الموت ليس ذنبي وحدي.
على حافة عينيّ المغمضتين، فوق أرض مفتوحة
لا علاقة لها بي
أختبيء.
هذه الأرض الكامنة تحت جسدك ليست لمن يرغبها. أقولها ببطء وفي صمت
كصلاة دنيوية. كمن يستدعي الرب لحظة النشوة. هذه النائمة بجوارك
ليست المرأة التي ترغبها.
وحيدة عدت اليوم لبيتي لأن أحدًا لا يرغب مراقصة جثة.
على الباركيه، ومختبأة تحت ضوء، دون فكاهة، تتحرك هي. الحركة
تقدم لها نبيذًا على البار، على عينيك وعينيّ خصمك. وأنا ثملة أتحدى هذا الجسد
 أمام فانتازيا لن تتحقق.
وأنا، من قد أمنحك كل شيء دون القدرة على قول ذلك لك
كنت قادرة على العشق هكذا دون أذى،
أصب نفسي فوق مرتبة برائحة الأرض وأخفي
هذا المشهد الفارغ الذي هو وجهي
الذي هو عناقنا ونحن نفكر في بعضنا كغريبين
الذي هو رغبتي في أن أكون هذه الأخرى التي ترغب في التعرف إليها
تلك هي البصمة الوحيدة التي يمكن للحب أن يهادينا بها. 
--------


الأحد، 18 يونيو 2017

عن ساراماجو وقصة "تعويض"



     في عام 1991 قرر جوزيه ساراماجو الانتقال نهائيًا للحياة في جزيرة لنثاروتي، إحدى جزر الكناري الإسبانية، اعتراضًا على السلطة البرتغالية التي وقفت ضده بسبب روايته "الإنجيل كما يرويه المسيح" واستجابت لتأليب الكنيسة الكاثوليكية عليه، بالإضافة لاعتراضاته الأخرى على سياسة نفس السلطة. منذ ذلك العام وحتى رحيله في 18 يونيو/ حزيران 2010 سيبقى في نفس الجزيرة التي تشبه القرية، قرية ربما تشبه قرية طفولته التي تحدث عنها في كتابه السيري "الذكريات الصغيرة". جزيرة تشبه ساراماغو نفسه وتتسق مع أفكاره حول العدالة الاجتماعية. كل بيوت هذه الجزيرة بيضاء بنوافذ وأبواب خضراء، تتكوّن من طابقين، لن تستطيع أبدًا أن تميز أحد ساكنيها بأي شيء ملحوظ. بيت ساراماجو ربما لا يتجاوز الـ 100 متر، بصالة صغيرة تضم كنبة وكرسيين وعدة صور معلقة لعائلته، بينها صورته مع بيلار دل ريو، زوجته ومترجمته التي كانت راهبة حتى تعرفت على كتاباته فتغيّرت حياتها ومنظورها للعالم، واختارت أن تهجر بيت الرب لتنتقل لبيت ساراماغو. وبغرفتين صغيرتين، إحداهما للنوم، بسرير قصير من الزان يبدو قديمًا جدًا، مستعارًا من زمن آخر، ومغطى بملاءة زرقاء، وصغيرًا حد أنه لا يكاد يضم جسدين ملتصقين، وبدولاب أيضًا من الزان بلون بني قاتم؛ وغرفة أخرى للمكتب، بها مكتب شديد القدم، خلفه كرسي حديث نوعًا ما ومكتبة خشبية في الحائط تضم كثيراً من كتب الفلسفة والسياسة والأدب، وصورة لجديه جيرونيمو وجوزيفا. يتصل البيت بحديقة خلفية صغيرة عبر بلكونة كان يفضّل أن يتناول فيها قهوة الصباح وهو يتطلع على شجراتها وزهورها، وربما يستعيد سنوات بعيدة، وبيتًا قديمًا يتكوّن أيضًا من غرفتين وحديقة، لكنه ساعتها كان يعمل راعيًا للخنازير. هنا كتب "العمى" "البصيرة" "كل الأسماء" "الذكريات الصغيرة" "الكهف" "انقطاعات الموت" "مسيرة الفيل" و"قابيل"، وهنا تلقى خبر فوزه بجائزة نوبل عام 98.


البيت على حالته منذ رحيل ساراماجو، لا شيء يحدث فيه إلا عملية النظافة اليومية التي تقوم بها زوجته كطقس لا يتغير. وأمام البيت تقع مؤسسة جوزيه ساراماجو، وتتكوّن أيضًا من طابقين، الأول يضم مكتبته الضخمة التي كانت تشغل الطابق الثاني من البيت القديم، والطابق الثاني يضم مكاتب وكنبات. إلى جانب المؤسسة بيت بيلار دل ريو، حيث فضّلت أن تعيش عقب وفاة زوجها. ويمكن اعتبار المؤسسة نقطة الإضاءة الرئيسية في الجزيرة، مكتبتها وشعلتها الثقافية، بل وأهم ما فيها لو شئنا الدقة.
 من هذا البيت تضامن ساراماجو مع القضية الفلسطينية، وفي المرات القليلة التي خرج فيها توجه إلى رام الله، ومرة أخرى توجه إلى مدريد للمشاركة في مظاهرة ضد غزو العراق. ومن هناك أيضًا تبرع بنصف قيمة جائزة نوبل من أجل سكان هايتي بعد أن ضربتها السيول. وهناك تلقى خبر اتهامه بمعاداة السامية حين وصف الاحتلال الإسرائيلي بالهمجية.


كاتب ملتزم/ كاتب مجرب


 من سن الثلاثين للستين، عاش ساراماجو حياته كناشط سياسي يساري. نشر رواية في عشرينياته لم تلق نجاحًا، وقدم روايته الثانية لناشر دون أن يتلق ردًا، فقرر التوقف تمامًا عن الكتابة. خلال سنوات شبابه ونضجه سار في كل الطرق بعيدًا عن الكتابة، عمل موظفًا في التأمينات الاجتماعية، وعمل محررًا للنصوص، وترجم بعض أعمال ديستويفسكي من الفرنسية، وتعاون مع جرائد بكتابة مقالات، لكنه بقي على مسافة من كتابة الأدب. وقبل أن يعود برواية "كتاب الرسم والخط" (1978) كان قد عاد بمجموعته الشعرية الكبيرة "قصائد محتملة".
هذا الأثر السياسي والانشغال بالشأن العام، خاصًة لأنه عضو بالحزب الشيوعي، بالإضافة لانشغاله الطبيعي ككاتب بفهم الإنسان والعالم، لن يغيب أبدًا عن أدب ساراماجو. في هذا السياق، سيكتب، أولًا، رواية تناقش وتفكك "الأسطورة المسيحية" وثانيًا "الأسطورة الأوروبية" القائمة على الديمقراطية والنزاهة والشفافية. هكذا سنقرأ له "الإنجيل كما يرويه المسيح" و"قابيل" و"تذكار الدير" كروايات موجهة لهذا التفكيك، ولن تخلو "مسيرة الفيل" من هذه الإيحاءات، كما سنقرأ له، في نقد الديمقراطية الغربية، "العمى" و"البصيرة"، وفي مرحلة أخرى سيطرح سؤال التاريخ في كل من "عام موت ريكاردو ريس" "حصار لشبونة". هذا المضمون الروائي لن تغيب عنه رؤية فلسفية ما بعد حداثية، تقوم بالأساس على التشكيك في كل الروايات وتقديم بدائل لها ربما تكون أكثر منطقية وتماسكًا، الشخصيات أيضًا ما بعد حداثية، هم أبطال ليسوا بأبطال، يصارعون طواحين الهواء كـ دون كيخوتيه، لكن الفارق الوحيد بينه وبينهم أنهم يعلمون مسبقًا عجزهم عن التغيير، لكنهم يصنعون الخلخلة لأنهم أكثر صدقًا وحقيقية من الشخصيات التاريخية، ولأن المؤلف جعلهم أكثر إنسانية في مواجهة ملحمية هذه الشخصيات. في "ثورة الأرض" سيرصد تاريخ البرتغال الحديث بداية من عام 1903 وحتى ثورة القرنفل (1974) من خلال عائلة المنحوس الريفية، عائلة من الفقراء ستكون الوجه الآخر لديكتاتورية سالازار ومناهضة الشيوعية. لن يرفع المؤلف أي مانيفيستو أحمر، بل سيسلط الضوء على معاكسات الحياة وبؤس هؤلاء في سياق حكاية مسلية ومؤلمة يتتبع فيها رحلة أجيال متتالية تتجول في الفقر المدقع. لن تنفصل هذه الرواية عن "العمى"، حيث سيصاب سكان مدينة ما بالعمى الأبيض، لتتجلى عبر هذا المرض الغريب النقائص البشرية، نقائص مجتمع ادعى الكمال فيما يعيش في الوهم، وهم العولمة والرأسمالية، حيث تذوب الهويات والثقافات المختلفة، وحيث يتحول البشر إلى مجرد رقم وسلع. ستبدو الرؤية بجلاء في "البصيرة"، حيث النقد المباشر للديمقراطية الغربية، وكشف الأيدي الأمنية التي تحرك كل شيء من خلف الكواليس، وحيث تبدو الشعوب مجرد ماريونت في أيدي الحكام، حتى لو كانت الديمقراطية في الواجهة (ملفت أن خطط الدولة الأمنية تشبه ما حدث في ثورات الربيع العربي، خاصة في مصر، بداية من إشاعة القوى الخارجية التي تدبر الأمر وليس انتهاء بالتحقيقات والتعذيبات). هذا الخط الذي اختاره ساراماجو لنفسه، أو ربما فرضته عليه ثقافته وبيئته وانحيازه لقيم الخير، يستمر معه حتى في روايته الأخيرة غير المكتملة، والتي كتبها على سرير الموت. في هذه الرواية، التي كتب فيها ثلاثين صفحة، تناول تجارة السلاح في العالم الغربي، وهو موضوع ساخن جدًا، خاصًة بعد أن بدأ اليسار الغربي يوجه انتقاداته للحكومات التي تصنع الموت، فيما يرد اليمين بأنه لولا هذه التجارة ما عاش الغرب في مجتمع الرفاهية. هنا يأتي ساراماجو لينتصر، في صفحات قليلة ناقصة، لحيوات الإنسان، ومنتقدًا ثقافته نفسها.
التاريخ والدين والسياسة، ثالوث أعمال الكاتب البرتغالي، لكنه يقدمها بأرق الطرق الممكنة، مستعينًا بالمجاز حينًا، وبالسخرية حينًا، وبالفانتازيا حينًا آخر، ليقدم مادة جمالية صافية تتسق مع الفن الروائي وتضيف إليه طرائق جديدة للسرد. من هنا نلاحظ موقع السارد، وهو سؤال ملّح عند الكاتب البرتغالي، إذ ليس ساردًا معتادًا (لا هو السارد العليم بصورته المعروفة، ولا السارد المتكلم ولا المخاطب). نحن، عادًة، أمام سارد ثالث نكتشف مع الوقت أنه متورط في الحدث لأنه أحد أفراد الرواية. وإن اتبع ساراماجو الترتيب الكرونولوجي للأحداث، ما يقربه من الحداثية الروائية، إلا أنه يكسر هذه الرتابة بكسر الإيهام، بكسر بريختي يجعلنا نحن القراء جزءًا من اللعبة، كما يتحول هو من سارد لشخصية. بمعنى ما، يمكن اعتبار ساراماجو وريثاً شرعياً لكافكا ولبورخس، غير أنه أكثر تجسيدًا منهما، أكثر قربًا من السؤال الجمعي، وحين يفعل ذلك يتناول الجماعة كأفراد. 
أخيرًا، هنا قصة "تعويض" لساراماجو، نقدم ترجمتها بالعربية في الذكرى السابعة لرحيله.   
 


تعويض
كان الولد قادمًا من النهر، حافيًا، وببنطلون مشمّر حتى فوق الركبتين، وبساقين مكسوتين بالطين. كان يرتدي قميصًا أحمر مفتوح الصدر، وكان زغب الصبى قد تنامى. كان شعرًا أسود، يبلله عرق ينزلق من رقبته النحيلة. كان يسير مائلًا قليلًا للأمام، تحت ثقل مجدافين طويلين يتعلق بهما خيط أخضر من الطمي لا يزال ينز ماءه. فيما بقي المركب يتأرجح في الماء المموج، وهناك، بالقرب منه كأنها تتجسس عليه، بزغت فجأة عينان جاحظتان تبين أنهما لضفدعة. نظر إليها الولد، ونظرت هي إليه. ثم أومأت الضفدعة بفظاظة واختفت. بعد دقيقة عاد سطح الماء ناعمًا ومستكينًا، ولامعًا مثل عينيّ الولد. أما الطمي فكان ينزلق ببطء محدثًا فقاعات غازية يسحبها التيار. وفي حر الظهيرة القائظ كانت شجرات الحور السامقة تهتز في صمت، وفجأة وُلدت زهرة سريعة من الهواء، طائر أزرق مشّط الماء. رفع الولد رأسه. ومن الضفة الأخرى للنهر كانت ثمة صبية ثابتة تنظر إليه. رفع الولد يدًا في الهواء ورسم بجسده كاملًا إيماءة بكلمة لم يسمعها أحد. بينما كان النهر يسيل، بطيئًا.
 تسلق الولد الطريق الصاعد من دون الالتفات للوراء. وهناك انتهى العشب في المكان نفسه. وفي المكان المرتفع، بعيدًا، كانت الشمس تطوق الأرض البور وشجرات الزيتون الرمادية. وكانت حشرة الزيز، بصوت معدني وفظ، تقطع الصمت. فيما كان الفضاء يرتجف.
 كان البيت منخفضًا، قصيرًا، مشيدًا من الحجر بخط من الرصاص البنفسجي. له جدران صماء، بلا نوافذ، غير أن له بابًا صغيرًا. في الداخل، ترطب الأرضية الطينية الأقدام. ركن الولد المجدافين وجفف عرقه بمعصمه. استراح ليسمع ضربات قلبه، فيما كان منبت عرقه يتجدد على بشرته. ظل هكذا لعدة دقائق، من دون وعي بالأصوات القادمة من وراء البيت، والتي استحالت فجأة عواء حادًا ومجانيًا: اعترض خنزير مربوط. في النهاية، حين بدأ في التحرك، ضربته في أذنيه صرخة الحيوان، فآلمته وأهانته. وفي الحال سمع صرخات أخرى، حادة، متلهفة، متوسلة بيأس، نداء لا ينتظر النجدة.
ركض نحو الممر، لكنه لم يتجاوز عتبة الباب. كان ثمة رجلان وامرأة يمسكون الخنزير. ورجل آخر، بسكين متخثر بالدم، يفتح طريقًا طوليًا في وعاء الخصيتين. وفي التبن كانت تلمع خصية مبتورة، وحمراء. فيما كان الخنزير ينتفض، مطلقًا صرخات من هيكله المطوق بحبل. والجرح كان يتزايد، والخصية بدت حليبية بخطوط من الدم، وأصابع الرجل تدخل في الفتحة فتسحب ما تجده وتنتزعه وتلقيه. والمرأة كانت شاحبة وممتعضة. ثم فكوا الخنزير وحرروا خطمه، وانحنى أحد الرجلين والتقط القطعتين السميكتين والناعمتين. استدار الحيوان حائرًا، وأطرق، وبصعوبة التقط أنفاسه. حينئذ ألقاهما الرجل إليه، فعضهما الخنزير، مضغهما متلهفًا، وبلعهما. تفوهت المرأة ببعض الكلمات، والرجال هزوا أكتافهم. أحدهم ضحك. في تلك اللحظة شاهدوا الولد عند عتبة الباب، فتلجمت ألسنتهم كأنهم عجزوا عن فعل شيء آخر، ونظروا للحيوان الملقى على التبن، متنهدًا، بخطم ملوث بدمه.
 عاد الولد للداخل. ملأ الطاسة وشرب، وترك الماء ينهمر من جانبي فمه مرورًا برقبته ووصولًا لشعر صدره الذي بات أكثر سمرة. أثناء ذلك كان ينظر لبقعتين حمراوين على التبن، ثم خرج من البيت مجددًا بإيماءة إرهاق، واجتاز مجددًا شجرات الزيتون تحت لهيب الشمس. التراب الساخن كان يحرق قدميه وهو، دون أن ينتبه، كان يسرع الخطى ليهرب من الملمس الحارق. وحشرة الزيز كانت لا تزال تئز بصخب يصيب بالصمم. وبعد المنحدر، ظهر العشب برائحة المياه الدافئة، والرطوبة الأخاذة تحت ظلال الشجر، والطمي الذي يتسلل بين أصابع القدمين ويعلوها.
 استكان الولد وتأمل النهر. وعلى سطح الطمي ظهرت ضفدعة، غامقة مثل الأولى، بعينين مستديرتين تحت مظلتين ناتئتين، كأنها تنتظر. كان جلد معدتها الفاتح يختلج، وفمها المغلق يشبه طية مضحكة. مرت برهة من دون أن يتحرك الولد ولا تحركت الضفدعة. حينئذ، مغيرًا وجهة عينيه بصعوبة، كأنه يهرب من لعنة، شاهد على الضفة الأخرى للنهر، بين أفرع شجرات الصفصاف الأبيض المنخفضة، الفتاة مرة أخرى. ومرة أخرى، صامتًا ومتفاجئًا، عبر فوق الماء برقٌ أزرق.
  تجرد الولد من القميص ببطء. وببطء غدا عاريًا، وحين انتزع كل ثيابه، تجلى عريه، ببطء. هكذا كأنه تخلص من عماه. والفتاة كانت تنظر له من بعيد. ثم، بحركات بطيئة، تجردت هي الأخرى من فستانها ومن كل ما يسترها. وظلت عارية وراء الشجرات الخضراء.
 تأمل الولد النهر مرة أخرى. كان الصمت يسود في سطح سائل ولا نهائي. دوائر تطول وتتوه في السطح الرائق لتكشف مكانًا غرقت فيه الضفدعة في النهاية. حينئذ غطس الولد وسبح حتى الضفة الأخرى، فيما كانت تتوارى تضاريس الفتاة في ظلال غصون الشجر.
            

الاثنين، 12 يونيو 2017

فصلان من "كأس الغضب"/ الراوائي البرازيلي رضوان نصار


--------------
"ما من أحد يهدي من أضله الله"
--------------- 

الوصول

     وعندما وصلت للبيت مساًء، في عام 27 البعيد، كانت تنتظرني بالفعل وتتجول بالحديقة، فاقتربتْ وفتحتْ البوابة لأدخل بالسيارة، وما إن خرجتُ من الجراج صعدنا السلم معًا حتى الشرفة، وقعدنا على كرسيين من الخوص نتأمل الجانب المواجه ونتأمل السماء حيث الشمس كانت في غروبها، وكنا في حالة صمت حين سألتني:"ماذا بك؟" لكني، وكنت شاردًا جدًا، واصلت في بعدي وهدوئي، وفي فكرتي المهجورة حول احمرار ذاك الغروب،  ولإلحاحها فقط جاوبت على سؤالها بسؤال:"هل تعشيتِ؟" ما أجابت عليه بـ "ليس الآن"، وحينئذ نهضتُ وتوجهتُ على مهل للمطبخ (هي جاءت خلفي)، وأخرجتُ ثمرة طماطم من الثلاجة وغسلتها في الحوض، ثم أخذت الملّاحة من النمليّة وجلست على المائدة في التو (وهي من الجانب الآخر كانت تصطحبني في كل حركة رغم أني كنت أتظاهر بلا مبالاة بأني لا أراها)، وظللت في مرمى نظرها حين بدأت في أكل ثمرة الطماطم، ومن آن لآخر أضع قليلًا من الملح كلما أكلت قطعة، مدعيًا بذل مجهود مفرط في المضغ لأظهر قوة أسناني بقوة أسنان حصان، وأنا أعرف أن عينيها لا تفارقان فمي، أنها، تحت صمتها، تتلوى من الصبر، وأن رغبتها فيّ تتزايد كلما تجاهلتها، ما أعرفه أني بمجرد انتهائي من أكل ثمرة الطماطم تركتها في المطبخ ورحت لأبحث عن الراديو الذي كان على رف بالصالة ودون أن أعود للمطبخ التقينا مجددًا في الممر، ودون لفظ كلمة واحدة دخلنا معًا لظلام الغرفة. 
----------
السرير


     في البداية، بعد أن دخلنا الغرفة، كنا نبدو كغريبَين يتأملهما ثالث، هذا الثالث كان دائمًا أنا وهي، ومسؤوليتنا كانت أن نراقب ما أفعله أنا، لا ما تفعله هي، لذلك قعدتُ على حافة السرير وبدأت في خلع حذائي وجوربي على مهل، لامسًا قدميّ بيدي، فشعرت بهما رطبتين بنعومة كأني انتزعتهما من الأرض في تلك اللحظة، وفي الحال شرعت في السير على الباركيه، منتبهًا لما أفعله، ومتظاهرًا بأن تجولي بالغرفة يتبع باترونات صغيرة، وكانا طرفا البنطلون يلمسان الأرض وفي نفس الوقت يستران جزءًا من قدميّ بغموض ما، وأنا أعرف أنهما يحتويان بقوة قدميّ الحافيتين والبيضاوتين جدًا، وفي الحال استمعت لتنهيداتها العميقة بالقرب من الكرسي، حيث كانت تودّع يأسها ربما، بينما تتجرد من ملابسها بفك حمالة البلوزة بأصابعها وإنزالها على ذراعيها، وأنا، متظاهرًا دومًا، كنت أعرف أن كل ذلك حقيقي، وأعرف كما كنت أعرف دومًا هوسها بالأقدام، خاصة قدميّ، ذات الحواف الحادة والمنحوتتين بمهارة، بعُقلها البارزة من الأصابع وخطوط عروقها وأوتارها المحددة، دون أن يؤثر ذلك في هيئتها الخجولة كقدم رقيقة، وكنت أروح وأجيء بخطوات محسوبة، مؤجلًا اللقاء بذرائع صغيرة، لكن عندما خرجت هي من الغرفة وراحت لوهلة إلى الحمّام تجرّدت سريعًا من بنطلوني وقميصي وتمددت على السرير في انتظارها، جاهزًا وصارمًا، مستمتعًا في صمت بقطن الملاءة التي تغطيني، وفي الحال غمضت عينيّ وأنا أفكر في الحيل التي سأستخدمها (من بين حيل كثيرة كنت أعرفها) وبهذه الطريقة راجعت برأسي كل الأشياء التي فعلناها معًا، كيف كانت ترتجف من حركات فمي الأولى ومن بريق عينيّ فيزدهر أقصى ما فيّ من فحش وصلابة، رغم أنها، مأخوذة بجانبي الخفي، تصرخ من جديد:"هذا الفاحش الذي أحبه"، واستحضرت هذا الجانب المبتذل في لعبتنا، هذه المقدمات بكل ما فيها من حبكات ننفذها بعد ذلك، حبكات ضرورية لنبدأ مباراة تشبه حركة العسكري الأولى في الشطرنج، مقدمات تبدأ بضغط يدي على يدها، بالتسلل لأصابعها، بالضعط عليها، بسحبها تحت يدي حتى شعر صدري، فتحاكي حركة أصابعي تحت الملاءة ثم تؤدي وحدها نشاطًا سريًا، أو تفعل ذلك في مرحلة تالية، بعد أن نكتشف بيقين شعر كل منا، عظام كل منا، رائحة كل منا، وعندما، على ركبتينا، نحسب الطريق الطويل لقُبلة وحيدة، براحتي يدينا ملتصقتين براحتيّ الآخر، بعناقنا مفتوحًا كصلاة مسيحية، وأسنان كل منا تعض فم الآخر كأنها تعض لحم القلب الطري، وبعينين مغمضتين، هاجرًا الخيال المركّز في منحنيات هذه الالتفافات، رأيت نفسي أيضًا متورطًا في بعض الأداءات، مثلما كان يحدث بعد نهوضي من فوق بطنها وسريعًا ما استجبت لواحدة من نزواتي (نزواتها) الأكثر ألفة، إذ وصلت بسائلي فجأة وبعنف فسال على وجهها وصدرها، ومثل نزوة أخرى أقل اندفاعًا وأبطأ نضجًا، وهي ثمرة نضجت في تصاعد صامت وصبور لتقلصات قوية، وكانت تحدث حين أكون بداخلها ونظل ساكنين دون حركة حتى نصل بصرخات غاضبة تفوق دوي أكثر الأمجاد علوًا، وفكرت مع ذلك في قفزة معاكسة خطيرة حين كانت على بطنها تقدم لي عشبًا آخر وذراعاي ويداي، كماكينة أو تشبهها، تمسكان بها من تحت كتفها وتضغطان وتضبطان، جزءًا جزءًا، كتلة جسدينا المتصاهرين، وكنت أفكر طوال الوقت في يدي ذات الظهر الطويل وأستخدمها كثيرًا خلال هذه العملية الهندسية العاطفية، يد أعددتها جيدًا حتى أنها تقول لي بشكل متكرر وهي في متاهتها الكاملة "رائع، رائع، أنت فريد من نوعك"، بعدها  بدأت أفكر في لحظات التجديد، في السجائر التي ندخنها بعد كل فقاعة صمت مسمومة، أو خلال دردشاتنا ونحن نشرب القهوة (كنا نهرب من السرير عاريين لندنس مائدة المطبخ)، عندما كانت تحاول أن تصف لي تجربتها الملتبسة مع الأورجازم، متحدثة دائمًا عن ثقتي وجرأتي خلال الطقس، بينما تداري بفشل انبهارها لأني أذكر دائمًا اسم الرب بين أدائي الفاحش، وتحدثني خاصًة عما علّمته لها، وخصوصًا إدراك الممارسة من خلال عينين مفتوحتين تراقبان في أغلب الأحيان، حجرًا حجرًا، حدائق طريق متشنج، وحينئذ  كنت أحدثها عن ذكائها الذي مدحته دائمًا كأفضل صفاتها في السرير، ذكاء رشيق ونشيط (حتى ولو كان تحت رغبتي)، مفتوح بشكل استثنائي على كل الغزوات، وأنا كنت أتحدث عابرًا عن نفسي أيضًا، مأخوذًا بالتناقضات المتعمدة (وكانت قليلة) في شخصيتي، مبرهنًا من بين هراءات أخرى أني فاحش لكني نقي وعفيف، وكنت أفكر، بعينين مغمضتين دائمًا، في أشياء أخرى كثيرة بينما لم تأتي هي بعد، فالخيال سريع جدًا أو أن الزمن مختلف، إذ يعمل ويخلط الأشياء البعيدة وغير المتصورة بشكل تلقائي، وعندما توقعت خطواتها عائدة بالممر حانت لحظة فتح عينيّ لأراقب الوضع الصحيح لقدميّ وهما يتطلعان خارج الملاءة، منتبهًا كالعادة إلى أن شعري الكستنائي الذي ينمو بين فجوات الأصابع وفي أصابعي الطويلة كان مضحكًا وجذابًا في الوقت نفسه، غير أني في الحال غمضت عينيّ مجددًا حين شعرت بها تدخل الغرفة، ولمحت طيفها المتأجج يقترب وكنت أعرف كيف ستبدأ الأشياء، بمعنى أنها ستقترب برفق وبرفق جدًا إلى قدميّ اللتين شبّهتهما ذات يوم بزنبقتين بيضاوتين.

الثلاثاء، 6 يونيو 2017

أربع قصص قصيرة جدًا/ خوليو كورتاثر



تعليمات للبكاء

     بعيدًا عن الأسباب، علينا أن نركز في الطريقة الصحيحة للبكاء، وأن ندرك أن البكاء لا يصح أن يتسبب في فضيحة، ولا أن يهين الابتسامة بتشابهه الموازي والأحمق معها. يكمن البكاء المتوسط أو الاعتيادي في انقباض عام في الوجه، وتشنج مصحوب بدموع وأمخطة. الدموع والأمخطة هي نهاية البكاء، إذ ينتهي في اللحظة التي يسيل فيها المخاط بعنف. كي تبكي، عليك أن توجه خيالك صوب نفسك. وإن استحال ذلك لأنك من أنصار الإيمان بالعالم الخارجي، تخيل صورة بطة تأكلها مجموعة هائلة من النمل، أو تخيل خلجان مضيق مجالانس حيث لا يدخلها أحد، قط. حين تبلغ البكاء، غط وجهك برصانة براحتيّ يديك. عندما يبكي الأطفال يغطون وجوههم بكم قميصهم، ويفضّلون الجلوس في ركن ما من غرفة مظلمة. مدة البكاء، ثلاث دقائق.
__________

مقدمة لتعليمات لف عقارب الساعة

     فكر في هذا جيدًا: حين يهادونك بساعة، يهادونك في الحقيقة بقطعة جمر مذيلة بورود، بسجن مظلم بلا تهوية. إنهم لا يهادونك الساعة وحدها، هذه القطعة الصغيرة التي تمنحك سعادة وقتية، متمنين لك أن تدوم لأنها سويسرية الصنع، ولا يهادونك هذه القطعة التي تضعها في رسغك وتتنزه معك أينما رحت. إنهم يهادونك، وهم لا يعلمون، والمصيبة أنهم لا يعلمون، بالقطعة الهشة والمتغيرة لذاتك، بشيء ينتمي إليك غير أنه لا يسكن جسدك، بشيء ينبغي أن تربطه على جسدك بأستيك كذراع صغيرة يائسة معلقة فوق رسغك.
     إنهم يهادونك الحاجة للف عقاربها كل يوم، يضطرونك لذلك حتى تدوم الساعة في عملها. يهادونك فكرة متسلطة بالانتباه للوقت للحاق بمحلات الذهب، ومواعيد برامج الراديو والخدمة التليفونية. يهادونك الخوف من أن تفقد كل هذا أو واحدًا منه. الخوف من أن تُسرَق الساعة، من أن تقع على الأرض فتنكسر. يهادونك ماركة شهيرة من الساعات ويؤكدون لك أنها أفضل ماركة. يهادونك المقارنة بين ساعتك وساعات الآخرين.
حين يهادونك، لا يهادونك بساعة، بل أنت الهدية. أنت الهدية التي قدّموها للساعة في يوم ميلادها. 
______
تعليمات لصعود السلم

     لابد أن أحدًا لم يفته ملاحظة أن الأرضية تتضاعف بحيث تُقام زاوية مستقيمة مع سطح الأرض في جانب، وبعدها يُقام الجانب الآخر موازيًا لهذا السطح، ليسمح بتكوين عمودين متوازيين، وهو التكنيك الذي سيتكرر في شكل حلزوني أو في خط منحنٍ حتى يبلغ ارتفاعًا متغيرًا جدًا. ومع انحناءة الرأس ووضع اليد اليسرى في أحد الأجزاء الرأسية، واليمنى في الجزء الأفقي المناسب، يتم الاستحواذ الوقتي على درجة أو سلمة. كل واحدة من تلك الدرجات، المكونة كما يُرى من عنصرين، تقع أعلى قليلًا وأمام قليلًا الدرجة السابقة عليها، وهو المبدأ الذي يقام عليه السلم، إذ أن أي تركيبة أخرى قد تؤدي لأشكال ربما أجمل أو أكثر تصويرية، غير أنها ستكون عاجزة عن نقل الصاعد من الطابق الأسفل للدور الأول.
     صعود السلم يكون للأمام، فالصعود بالظهر أو بالجانب غير مريح بالمرة. السلوك الطبيعي يكمن في أن تصعد واقفًا، معلقًا ذراعيك دون جهد، وبرأس مرفوع دون مبالغة حتى تتمكن عيناك من رؤية الدرجات العالية التي تطأها، وأن تتنفس ببطء وبانتظام. يتطلب صعود السلم أن تبدأ برفع الجزء الأيمن من جزء جسدك التحتي، والمحاط غالبًا بجلد أو شمواة، وسيجد، ماعدا باستثناءات قليلة، متسعًا له على الدرجة. بعد وضع هذا الجزء على الدرجة الأولى، ولنختصر سنسميه القدم، نرفع الجزء الأيسر المعادل له (سنسميه أيضًا القدم، لكن علينا ألا نخلط بينه وبين القدم المذكورة آنفًا)، وبرفعه بمحاذاة القدم، يواصل حتى يصل للدرجة الثانية، وعليه ستستريح القدم، وعلى الدرجة الأولى ستستريح القدم. (الدرجات الأولى عادًة هي الأصعب، حتى اكتساب التنسيق الضروري. تشارُك الاسم بين القدم والقدم يجعل الشرح صعبًا. انتبه حتى لا ترفع في نفس الوقت القدم والقدم).
   بعد الوصول بهذه الطريقة للدرجة الثانية، يكفي أن نكرر بالتعاقب نفس الحركات حتى نجد أنفسنا في نهاية السلم. الخروج سهل جدًا، مجرد ضربة كعب خفيفة محددة في مكان النهاية، حيث لن تتحرك منه حتى لحظة الهبوط.

----

تعليمات للغناء

ابدأ بتكسير مرايا بيتك، ثم دع ذراعيك تستريحان لأسفل، وانظر إلى الحائط بشرود. غنِ نغمًة واحدة، واسمع صداها بداخلك. إن سمعت شيئًا (وسيحدث هذا بعدها بكثير) يشبه منظرًا طبيعيًا محاطًا بالخوف، له نيران بين أحجاره، وأطياف شبه عارية مقرفصة، أعتقد أنك تسير في الطريق السليم، نفس الشيء لو سمعت نهرًا تسير به قوارب مزينة بالأصفر والأسود، أو لو سمعت رائحة الخبز، وملمس الأصابع، وظل الحصان.

بعدها اشتر كتب في الصولفيج وبدلة سهرة، ولا تغن، من فضلك، من أنفك ودع شومان في سلام.