الثلاثاء، 6 يونيو 2017

أربع قصص قصيرة جدًا/ خوليو كورتاثر



تعليمات للبكاء

     بعيدًا عن الأسباب، علينا أن نركز في الطريقة الصحيحة للبكاء، وأن ندرك أن البكاء لا يصح أن يتسبب في فضيحة، ولا أن يهين الابتسامة بتشابهه الموازي والأحمق معها. يكمن البكاء المتوسط أو الاعتيادي في انقباض عام في الوجه، وتشنج مصحوب بدموع وأمخطة. الدموع والأمخطة هي نهاية البكاء، إذ ينتهي في اللحظة التي يسيل فيها المخاط بعنف. كي تبكي، عليك أن توجه خيالك صوب نفسك. وإن استحال ذلك لأنك من أنصار الإيمان بالعالم الخارجي، تخيل صورة بطة تأكلها مجموعة هائلة من النمل، أو تخيل خلجان مضيق مجالانس حيث لا يدخلها أحد، قط. حين تبلغ البكاء، غط وجهك برصانة براحتيّ يديك. عندما يبكي الأطفال يغطون وجوههم بكم قميصهم، ويفضّلون الجلوس في ركن ما من غرفة مظلمة. مدة البكاء، ثلاث دقائق.
__________

مقدمة لتعليمات لف عقارب الساعة

     فكر في هذا جيدًا: حين يهادونك بساعة، يهادونك في الحقيقة بقطعة جمر مذيلة بورود، بسجن مظلم بلا تهوية. إنهم لا يهادونك الساعة وحدها، هذه القطعة الصغيرة التي تمنحك سعادة وقتية، متمنين لك أن تدوم لأنها سويسرية الصنع، ولا يهادونك هذه القطعة التي تضعها في رسغك وتتنزه معك أينما رحت. إنهم يهادونك، وهم لا يعلمون، والمصيبة أنهم لا يعلمون، بالقطعة الهشة والمتغيرة لذاتك، بشيء ينتمي إليك غير أنه لا يسكن جسدك، بشيء ينبغي أن تربطه على جسدك بأستيك كذراع صغيرة يائسة معلقة فوق رسغك.
     إنهم يهادونك الحاجة للف عقاربها كل يوم، يضطرونك لذلك حتى تدوم الساعة في عملها. يهادونك فكرة متسلطة بالانتباه للوقت للحاق بمحلات الذهب، ومواعيد برامج الراديو والخدمة التليفونية. يهادونك الخوف من أن تفقد كل هذا أو واحدًا منه. الخوف من أن تُسرَق الساعة، من أن تقع على الأرض فتنكسر. يهادونك ماركة شهيرة من الساعات ويؤكدون لك أنها أفضل ماركة. يهادونك المقارنة بين ساعتك وساعات الآخرين.
حين يهادونك، لا يهادونك بساعة، بل أنت الهدية. أنت الهدية التي قدّموها للساعة في يوم ميلادها. 
______
تعليمات لصعود السلم

     لابد أن أحدًا لم يفته ملاحظة أن الأرضية تتضاعف بحيث تُقام زاوية مستقيمة مع سطح الأرض في جانب، وبعدها يُقام الجانب الآخر موازيًا لهذا السطح، ليسمح بتكوين عمودين متوازيين، وهو التكنيك الذي سيتكرر في شكل حلزوني أو في خط منحنٍ حتى يبلغ ارتفاعًا متغيرًا جدًا. ومع انحناءة الرأس ووضع اليد اليسرى في أحد الأجزاء الرأسية، واليمنى في الجزء الأفقي المناسب، يتم الاستحواذ الوقتي على درجة أو سلمة. كل واحدة من تلك الدرجات، المكونة كما يُرى من عنصرين، تقع أعلى قليلًا وأمام قليلًا الدرجة السابقة عليها، وهو المبدأ الذي يقام عليه السلم، إذ أن أي تركيبة أخرى قد تؤدي لأشكال ربما أجمل أو أكثر تصويرية، غير أنها ستكون عاجزة عن نقل الصاعد من الطابق الأسفل للدور الأول.
     صعود السلم يكون للأمام، فالصعود بالظهر أو بالجانب غير مريح بالمرة. السلوك الطبيعي يكمن في أن تصعد واقفًا، معلقًا ذراعيك دون جهد، وبرأس مرفوع دون مبالغة حتى تتمكن عيناك من رؤية الدرجات العالية التي تطأها، وأن تتنفس ببطء وبانتظام. يتطلب صعود السلم أن تبدأ برفع الجزء الأيمن من جزء جسدك التحتي، والمحاط غالبًا بجلد أو شمواة، وسيجد، ماعدا باستثناءات قليلة، متسعًا له على الدرجة. بعد وضع هذا الجزء على الدرجة الأولى، ولنختصر سنسميه القدم، نرفع الجزء الأيسر المعادل له (سنسميه أيضًا القدم، لكن علينا ألا نخلط بينه وبين القدم المذكورة آنفًا)، وبرفعه بمحاذاة القدم، يواصل حتى يصل للدرجة الثانية، وعليه ستستريح القدم، وعلى الدرجة الأولى ستستريح القدم. (الدرجات الأولى عادًة هي الأصعب، حتى اكتساب التنسيق الضروري. تشارُك الاسم بين القدم والقدم يجعل الشرح صعبًا. انتبه حتى لا ترفع في نفس الوقت القدم والقدم).
   بعد الوصول بهذه الطريقة للدرجة الثانية، يكفي أن نكرر بالتعاقب نفس الحركات حتى نجد أنفسنا في نهاية السلم. الخروج سهل جدًا، مجرد ضربة كعب خفيفة محددة في مكان النهاية، حيث لن تتحرك منه حتى لحظة الهبوط.

----

تعليمات للغناء

ابدأ بتكسير مرايا بيتك، ثم دع ذراعيك تستريحان لأسفل، وانظر إلى الحائط بشرود. غنِ نغمًة واحدة، واسمع صداها بداخلك. إن سمعت شيئًا (وسيحدث هذا بعدها بكثير) يشبه منظرًا طبيعيًا محاطًا بالخوف، له نيران بين أحجاره، وأطياف شبه عارية مقرفصة، أعتقد أنك تسير في الطريق السليم، نفس الشيء لو سمعت نهرًا تسير به قوارب مزينة بالأصفر والأسود، أو لو سمعت رائحة الخبز، وملمس الأصابع، وظل الحصان.

بعدها اشتر كتب في الصولفيج وبدلة سهرة، ولا تغن، من فضلك، من أنفك ودع شومان في سلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.