الجمعة، 4 ديسمبر 2020

قصائد للشاعر الإسباني فرانثيسكو برينيس

     تتميز قصيدة فرانثيسكو برينيس، التي تعد جزئيًا امتدادًا لخط بدأه لويس ثيرنودا، بنبرتها الحميمية وبتأملها الثابت في مرور الزمن. في نصوصه، تحتل الطفولة مكانًا يمثل الزمن الأسطوري الذي يجهل الموت، مرتبطًا بمكان محدد "إلكا"، بيت طفولته في أوليبا.  الرجل البالغ مطرود للأبد من جنة الطفولة وفي لحظات محددة (من خلال الإيروتيكية، تأمل الطبيعة...) يسترد الإنسان اكتمال الحياة المجرب في الطفولة والشباب. لذلك، تلعب الذاكرة دورًا رئيسيًا في قصائده. في ديوانه "خريف الورود"، ديوانه الأكثر تقديرًا ينصهر الألم الرثائي مع مدح الحياة. وفي "الآن لا"، يقترب شعره من نبرة ساخرة لا يستخدمها فيما بعد.

     تميل قصيدة برينيس إلى توازن كلاسيكي وإلى نبرة ميلانخولية تحاول السيطرة على الحنق أمام الموت من خلال افتراض ما لا يمكن تفاديه بطريقة رائقة، ولا يتغذى من تأثير لويس ثيرنودا فحسب، وإنما أيضًا، وخاصة في كتابه الأول "اللهب"، من خوان رامون خيمينيث وأنطونيو ماتشادو بشكل أكثر حميمية. 

     هنا ترجمة لبعض قصائده.

---------------

أين يموت الموت



أين يموت الموت،

لأنه لا وجود له إلا في الحياة.

في هذه النقطة القاتمة من العدم

المولودة في العقل،

حين ينفد الهواء الذي يلامس الشفاه،

الآن وقد تسلل الرماد الضلوع، مثل سماء قد وصلت،

في صمت وألم،

ومنديل مبلل بالدموع يرتجف،

نحو السواد.

أقبّل جسدك  الدافئ لا يزال.

خارج المشفى، كأني أنا، المُعانَق بين ذراعيكِ،

طفل في حفاضة يحدق في سقوط الضوء،

يبتسم، يصرخ، ويسحره العالم،

الذي لا بد أن يهجره.

يا أمي، عيدي لي قُبلتي.

------------

الشاهد



الضوء،

وليس الظل بعد.

أنا أعيش في شبه ظل معتم

(الضوء دافئ،

حين يلمس، ويقبّل.)

كل أمنيتي، أنا أعرف كينونتي،

وأني لا أزال موجودًا.

أن أكون

ما كنته من قبل.

جوهرنا هو العمى،

وهذا الذي ننكره محض لغز

بلا معنى.

من يضع في ذهننا

السؤال حول الرب؟

هو صديق وعدو.

اسم يُمنح إلى الغيب. عظمته تمحونا.

لم أكن شيئًا أبدًا.

شاهدي، قارئي، أضع نفسي بين يديك.

------------

الشاطئ الأخير



كان ثمة مركب، وبالمركب أناس متجهمون،

والمركب جاهز للقلوع على الضفة. والليل حل

على أرض مقبورة.

بعيدًا عن ذاك المركب، عن الأضواء المحتضرة،

حيث يحتشد بحماس، رغم الحزن،

أناس في حداد.

وبالمواجهة، ذاك الضباب الموصد

تحت سماء بلا كون.

ومركب ينتظر وصخور أخرى.

أتينا مرهقين، بجسد ممزق، وشبه جاف.

الهواء الساكن، بغلاف من الرطوبة،

كان يطفو في المكان.

كان شيء كان معدًا.

الضباب، وكان موصدًا لا يزال،

كان يطلب الرحيل. وعيناي كانتا مغممتين بالدموع.

المجاديف المستهلكة كانت جاهزة

ونحن كعبيد خُرَساء،

كنا ندفع تلك المياه السوداء.

وأمي كانت تنظر إليّ، تحدق جدًا، من مكانها بالمركب،

في رحلة يخوضها الجميع، في الضباب.

_______

خريف الورود

تعيش في محطة الزمن الراكد:

سميته خريف الورود.

اطمح إليها واشتعل. واسمع

حين تنطفئ السماء، ويسود الصمت العالم.

-------

خطاب وثني



هل تعتقدون أنكم

لمجرد الإيمان بالخلود،

سيُمنح إليكم؟

إنها مسألة عقيدة، مسألة غرور

أو مسألة خراب.

لو وجد الخلود، لا يهم أن تؤمن به:

إجابات جاهلة كل الإجابات الإنسانية

حين يسأل الموت.

استمروا بطقوسكم الفخمة، بقرابينكم للآلهة،

أو بآثاركم الجنزية،

بصلوات دافئة، وبآمال عمياء.

 

أو اقبلوا الفراغ المقبل،

حيث لن تنفخ حتى رياح عقيمة.

ما لابد سيأتي سيشمل الجميع،

ما من استحقاق بالميلاد

ولا شيء يبرر موتنا.

-----------------

على وشك رحلة في سيارة



النوافذ تعكس

لهيب الغروب

ويطفو ضوء رمادي

قد خرج من البحر.

يود النهار أن يبقى بداخلي،

أن يموت،

كأني، عند النظر إليه،

يمكن أن أنقذه.

ومن ينظر إليّ

ومن يستطيع إنقاذي.

الضوء غدا أسود

والبحر توارى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.